
التغيرات الجيوسياسية التي طرأت على منطقة الشرق الاوسط في الآونة الأخيرة وما رافقها من تهديدات، أدت وبدون أدنى شك الى اختلال جذري في موازين القوى بحيث انعكس وسينعكس أكثر وأكثر في المستقبل القريب على الامن المائي الأردني، وهذا يتطلب المزيد من العمل الاستراتيجي طويل الامد وتنفيذ المشاريع الوطنية التي من شأنها زيادة منعة القطاع، جنب الى جنب مع المحافظة على الموارد الوطنية التي أصبحت أكثر شحاً وندرة في ظل تهديدات الضخ الجائر للمياه الجوفية والهدر المائي وتأثيرات التغير المناخي.
لقد اثبت قطاع المياه منعته وصموده وقدرته على تحمل واستيعاب المتغيرات الخارجية مثل ازمة اللجوء السوري، حين استقبل الأردن حوالي مليون ونصف المليون لاجئ وتم تزويدهم بالمياه وخدمات الصرف الصحي على مدار سنين طويلة خلت دون ان يشعر أحد بنقص المياه في ظل زيادة مفاجئة بالسكان بلغت حوالي ٢٢٪ من العدد الكلي.
وهنا يعود الفضل للدعم الذي حظي به قطاع المياه من القيادة الأردنية وتوجيهات جلالة الملك لإعطاء مشاريع المياه الأولوية في التمويل والتنفيذ من خلال الممولين العالمين والصناديق العربية والمقدر دعمهم لهذا القطاع الحيوي. كما ان منعة القطاع وصموده اثبتت قدرته على التصدي لتأثيرات التغير المناخي وتزويد المياه للمواطنين ولو بالحد الادنى المقبول، على الرغم من تدني معدلات الهطول المطري خلال الخمسة عشر سنة السابقة، وموجات الحر، وغيرها.
وهنا تأتي أهمية بعض المشاريع التي شكلت العمود الفقري لمتانة القطاع وقوته وانفقت عليها الحكومات مليارات الدنانير، ومنها مشروع جر مياه الديسي، ومشروع الموجب-الزارة-عمان، ومشروع وادي العرب – اربد-٢، ومشاريع السدود مثل الموجب والوالة والوحدة وكفرنجة، ومشاريع المياه الجوفية العميقة في الكرك وجرش ووادي الاردن ووادي عربة. بالإضافة الى الاستثمارات الكبيرة لإعادة تأهيل وهيكلة شبكات المياه في كافة مدن ومحافظات المملكة والتي بداءة نتائجها تظهر من خلال انخفاض نسب فاقد المياه ولو بشكل متواضع.
اما في مجال الصرف الصحي ومشاريع إعادة الاستخدام فكان لبعض المشاريع أهمية استراتيجية في المحافظة على الزراعات المروية المقيدة مثل مشروع محطة الخربة السمراء ومحطات الصرف الصحي في اربد والرمثا ووادي العرب وجنوب عمان والعقبة وغيرها الكثير، والتي كان لها الدور الاكبر في تعزيز الزراعة المروية والامن الغذائي الوطني.
وكان لإدخال التقنيات الحديثة والأتمتة وبرامج التحول الرقمي في إدارة شركات المياه من عدادات الكترونية وقراءات عن بعد والتبليغ الفوري عن تسرب المياه من الشبكات الدوري الحيوي في زيادة قدرة القطاع على التصدي لندرة المياه وادارتها إدارة ناجعة وكفؤة.
وفي ظل التغيرات والتهديدات الإقليمية أصبح من الأهمية بمكان تعزيز منعة قطاع المياه خلال السنوات القادمة، بالتركيز على برامج التوعية وترشيد الاستهلاك والاعتماد أكثر فأكثر على الموارد ذات السيادة الوطنية، على الرغم من كلفها العالية ومنها على سبيل المثال مشروع الناقل الوطني والذي لا بد من تنفيذه وبأسرع وقت ممكن.
كما يجب التركيز على مشاريع إعادة استخدام الصرف الصحي للاستفادة من كل قطرة مياه متاحه للاستعمال وخاصة في محافظات الشمال والوسط، لما تشكله هذه المياه من مورد هام لتعزيز الموارد المائية في وادي الأردن وللحفاظ على امدادات المياه العذبة الثمينة والمطلوبة للتجمعات السكانية المتزايدة.
كذلك الاعتماد تدريجيا على المياه الجوفية العميقة والتوسع في التنقيب عنها واستنساخ مشاريع مشابهه لمشروع الديسي من الأزرق والسرحان والحسا، والاستمرار في منع حفر الابار المخالفة. والتركيز على الابتكار والابداع في إدارة المياه واعتماد التكنولوجيا الذكية لرفع كفاءة الاستخدام وتوفير المياه.
كما يجب العمل على تنسيق سياسات المياه مع القطاعات المتداخلة والممتدة مثل الطاقة والبيئة والزراعة والامن الغذائي لزيادة عائد المياه من المتر المكعب الواحد ورفع كفاءة استخدام الطاقة وزيادة المتجددة منها، وإعطاء الأولوية لتمويل برامج التكيف والتخفيف من تأثيرات التغير المناخي وغيرها من الإجراءات والبرامج التي من شأنها تعزيز قدرة قطاع المياه على الصمود في مواجهة الصدمات والتحديات في إقليم اقل ما يوصف بالملتهب.
* وزير المياه والري والزراعة الأسبق