
فلسطين هي القضية الأكثر حضورا في نيويورك الأسبوع المقبل، حيث تلتئم الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السنوية. الكارثة التي تضرب غزة، تدخل طورا أشد هولًا مع بدء هجوم إسرائيل على أكبر تجمع سكاني في مدينة غزة ومحيطها.
حكومة المتطرفين برئاسة نتنياهو، بلغت من الاستهتار بالقانون الدولي حد اختيار موعد اقتحام مدينة غزة، بالتزامن مع انطلاق أعمال الدورة السنوية. كلما ازداد شعور إسرائيل بكونها دولة منبوذة، اندفعت نحو سياسات وممارسات أكثر تطرفا ووحشية.
حضور فلسطين وقضيتها لن يقتصر على الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة، فعلى هامشها، ينعقد مؤتمر تنفيذ حل الدولتين، برعاية سعودية فرنسية، بعد مؤتمر أول عقد قبل أسابيع هناك، وخلص إلى إعلان نيويورك الذي أحدث صدى عالميا واسعا، وأصبح وثيقة مرجعية تحظى بدعم أممي واسع.
اجتماع الأسبوع المقبل استثنائي، إذ من المفترض أن تعلن دول عديدة على رأسها فرنسا وبريطانيا، اعترافها رسميا بالدولة الفلسطينية. الدولتان اللتان، أجهضتها حلم بلاد الشام بدولة عربية واحدة، وقدمتا فلسطين وعدا لليهود، تتخذ قرارا تاريخيا لصالح الشعب الفلسطيني، أكثر شعوب المنطقة التي تعرضت لظلم تاريخي.
إسرائيل المنبوذة، وحليفاتها واشنطن فقط، تقفان في جبهة واحدة ضد الإرادة العالمية، مثلما كان الحال في التصويت الساحق في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي لصالح حل الدولتين. قد لا يبدو الإعلان ذا قيمة كبيرة من الناحية العملية، خاصة في هذه المرحلة الخطيرة من الحرب في غزة، لكن تحدي إرادة إسرائيل التي تسعى لمحو فكرة الدولة الفلسطينية من الوجود يعد انتصارا سياسيا يمكن البناء عليه لحشد المزيد من الدعم مستقبلا، لعزل الحكومة الفاشية في تل أبيب، وإبطال إجراءاتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتأسيس لقرار دولي بفرض عقوبات عليها، لإلزامها بالامتثال لقرارات الأمم المتحدة.
على الجانب الآخر، تستعد حكومة نتنياهو المتوحشة، للرد على هذا التضامن مع الشعب الفلسطيني، بقرارات خطيرة، أبرزها ضم أجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية. قبل ذلك اتخذت ذات الحكومة قرارا لا يقل خطورة عن الضم يقضي ببناء مدينة استيطانية تفصل شمال الضفة عن جنوبها، وتربط مستوطنة معاليم أدوميم غير الشرعية مع القدس المحتلة. إسرائيل استولت بموجب هذا القرار غير الشرعي على 14 % من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
رموز إدارة ترامب الأكثر انحيازا لإسرائيل في التاريخ الأميركي، تكفلوا بخلق الذرائع لهذه القرارات، بادعائهم أنها رد فعل على إعلان دول أوروبية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. الحقيقة أن حكومة نتنياهو قد أعلنت منذ أشهر طويلة، نيتها ضم الضفة الغربية، وعلى دفعات. وكان ذلك حتى قبل السابع من أكتوبر.
أول من أمس كان وزير الخارجية الأميركي مايك روبيو في إسرائيل، في زيارة بدا وكأنها زيارة عائلية لأعضاء في طائفة دينية. وقف برفقة زوجته مع نتنياهو وزوجته وسفيره هاكابي وزوجته عند حائط المبكى بخشوع، وتبادلوا عبارات التضامن فيما بينهم، وقيل إنهم تدارسوا في خطوات ضم الضفة الغربية، وخطط الهجوم الوحشي على مدينة غزة.
ويبدو من تصريحات نتنياهو أنه حصل على ضوء أخضر من إدارة ترامب لضم مناطق غور الأردن التي وصفها نتنياهو بحدود إسرائيل على الجبهة الشرقية مع الأردن.
إذا ما صحت التقديرات بهذا الشأن فإن الأسبوع المقبل سيكون بحق استثنائيا وخطيرا، تبلغ فيه المواجهة بين المجتمع الدولي وإسرائيل ذروتها.
“الغد”