الأردن يهندس اقتصاده الوطني… و2026 عام تنفيذ المشروعات الاستراتيجية

أردني – عمل الأردن على هندسة اقتصاده الوطني الذي شهد تحولًا ملموسًا في نمط إدارة الملفات الاقتصادية لتحقيق النمو من خلال قرارات واصلاحات حكومية عميقة طالت مفاصل مختلف القطاعات، وبما يتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي التي وجه بها جلالة الملك عبدالله الثاني.
وأكد معنيون وخبراء بالشأن الاقتصادي أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو اقتصاد أكثر استقرارًا واستدامة، وأكثر انفتاحًا على الاستثمار والتكنولوجيا والاقتصاد الأخضر، ما يؤسس لمرحلة أكثر نضجًا وفاعلية في مسار التحديث الاقتصادي الوطني.
وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن المملكة انتقلت بفعل كل الجهود التي بذلت بهندسة الجانب الاقتصادي، من مرحلة كانت تبرر فيها ضعف معدلات النمو بالظروف الخارجية، لمرحلة تحقق فيها المملكة نموا حقيقيا وهذه نقطة جوهرية تحسب للحكومة الحالية التي تمتلك رؤية اقتصادية أوضح وأكثر واقعية.
ويعد عام 2026 مهما للحكومة، حيث سيتم خلاله البدء بالتنفيذ الفعلي للمشروعات الكبرى الأساسية المتصلة بالأمن المائي والطاقي والنقل والتي تمثل مشروعات استراتيجية وطنية بكلفة تصل لما يقارب 10 مليارات دولار.
وشدد جلالة الملك عبدالله الثاني في كتاب التكليف السامي لحكومة الدكتور جعفر حسان، على أن تكون المشاريع الكبرى في مقدمة جهود الحكومة، خصوصا في المياه والنقل والطاقة والقطاعات الاقتصادية الواعدة.
وشدد جلالته على ضرورة “الاستمرار بسياستنا المالية الحصيفة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وضبط المديونية في وجه التحديات الإقليمية والدولية، حماية لمنعتنا الاقتصادية ولتمكيننا من الإسراع في التنمية والنمو لتحقيق أهداف التحديث الاقتصادي”.
وتسعى الحكومة إلى تحقيق نمو حقيقي للاقتصاد الوطني بمقدار 4 بالمئة مع حلول عام 2028، مستندة بذلك على المعدلات الإيجابية التي بدأت تتحقق بنمو الناتج المحلي الإجمالي ولا سيما ما ظهر خلال الربع الثاني من العام الحالي.
وقال وزير الاقتصاد الأسبق الدكتور يوسف منصور، إن مسار الحكومة منذ تكليفها، كان واضحا، وفيه نوع من الشفافية المختلفة، وظهر ذلك جلياً في اهتمامها والتزامها بتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، وفق خطة منبثقة عن رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني.
وأضاف إن “أي حكومة تعتمد على رئيسها، كضابط إيقاع لجميع أنشطتها، وهو ما يتميز به رئيس الوزراء بكونه تنفيذياً وعملياً، وصاحب خبرة واسعة محلياً ودولياً، أكسبته رؤية للمسار الصحيح نحو تفعيل المشهد الاقتصادي” مشيراً إلى عدد من المؤشرات الاقتصادية التي بدأت تتحسن، مثل معدلات النمو والتشغيل ومعدل البطالة وغيرها.
وأكد أن التفاؤل بالمستقبل، أمر مهم تتسم به الحكومة الحالية، لم يكن موجوداً منذ فترة طويلة، مما يعطي زخماً داعما للقرارات والمشاريع، فالحكومة التي تنظر للمستقبل بنحو متشائم، تضعف سياساتها وقراراتها.
وأشار إلى أن الإعلان عن مشاريع محلية كبرى يحفز النمو والتنمية، من خلال زيادة الإنتاجية والتشغيل وغيرها، بالإضافة للمحافظة على استقرار السياسة النقدية.
وأكد منصور أن المؤشرات الاقتصادية المتحسنة، تدعو للتفاؤل الحقيقي وفق أرقام فعلية، تبشر بنشاط اقتصادي أفضل، مستشهداً بتحسن قطاع الإنشاءات والعقارات، الذي يعد مؤشراً واضحاً على تحرك جميع القطاعات، ووجود حركة اقتصادية نشطة.
بدوره، أشار أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية، الدكتور رعد التل، إلى أن الجهد الذي بُذل خلال الفترة الماضية كان جيدا جدا، وشهدت المملكة محاولات جادة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني، فبينما كان يُخشى أن يشهد تباطؤاً اقتصادياً أكبر، جاءت القرارات الاقتصادية التي اتُّخذت لتحدّ من ذلك التباطؤ، بل وتدفع نحو تحسن ملموس في الأداء العام.
وقال الدكتور التل “شهدنا خلال هذا العام ما يقارب 219 قرارًا اقتصاديًا، كان لها أثر واضح في تحفيز النشاط الاقتصادي، ونتيجة لذلك ارتفع معدل النمو الاقتصادي من 2.4 بالمئة في العام الماضي إلى 2.7 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي و2.8 بالمئة في الربع الثاني، وهو تحسن إيجابي يُسجل للحكومة”.
واعتبر أنه رغم أن عام 2024 كان عامًا صعبًا على المنطقة، جراء حرب الإبادة في غزة، وما رافقها من تداعيات اقتصادية إقليمية، إلا أن النصف الأول من العام الحالي لم يكن خاليًا من التحديات أيضًا، فقد شهد الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي انعكست بدورها على المنطقة، ومع ذلك تمكن الاقتصاد الأردني من الحفاظ على وتيرة نمو متصاعدة.
وتابع “نستطيع القول إننا انتقلنا من مرحلة كانت تُبرَّر فيها ضعف معدلات النمو بالظروف الخارجية، إلى مرحلة نحقق فيها نموًا حقيقيًا رغم تلك الظروف، وهذه نقطة جوهرية تُحسب للحكومة الحالية التي تمتلك رؤية اقتصادية أوضح وأكثر واقعية”.
وقال “يُحسب لهذه الحكومة كذلك وجود رئيس وزراء يمتلك فهمًا عميقًا للاقتصاد، وخاصة الاقتصاد الكلي، ما مكّنها من اتخاذ قرارات أكثر اتزانًا وفاعلية، فالتحسن الذي نراه اليوم ليس مجرد حفاظ على معدل النمو، بل تحول تدريجي نحو أداء اقتصادي أفضل”.
وأضاف التل ” إذا استمر هذا النسق في الأداء والقرارات، فسنشهد خلال الفترة المقبلة تجاوز معدل النمو الاقتصادي حاجز 3 بالمئة لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، بنحو تراكمي يعتمد على استمرار السياسات الحالية وتشجيع الاستثمار وتنويعه، ودعم الصادرات والصناعة المحلية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إنه بعد مرور عام على تشكيل حكومة الدكتور جعفر حسان، يبرز في المشهد المحلي الأردني تغير ملموس في نمط عمل الحكومة وأسلوب إدارتها للملفات الاقتصادية والإصلاحية.
وأضاف عايش إن المواطنين والقطاع الخاص على حد سواء بدأوا يلمسون جدية أكبر في المتابعة والتنفيذ، بعيدًا عن الإيقاع البيروقراطي التقليدي الذي كان يعيق المبادرات ويبطئ القرارات.
وأشار إلى أن العام الأول للحكومة بنهج قائم على الاستمرارية في الإصلاح لا على القفز بين الملفات، وبربط مباشر بين رؤية التحديث الاقتصادي وبين القرارات اليومية، بحيث أصبحت الرؤية إطارًا حاكمًا للسياسات العامة وليست مجرد وثيقة تخطيطية.
واعتبر أن النهج الحكومي ذهب باتجاه المزيد من الواقعية والتشاور مع القطاعات المنتجة، والقطاع الخاص، والمؤسسات الحزبية والشبابية، إلى جانب التنسيق المستمر مع مجلس النواب، ما أسهم في تعزيز الثقة، وتوليد بيئة تشاركية في صياغة القرار الاقتصادي.
وتابع “خلال العام الماضي، اتسم خطاب الحكومة بالهدوء والشفافية، وبالتركيز على حلول واقعية وخطط تنفيذية واضحة بعيدا عن الجلبة أو الاستعراض الإعلامي، ما أسهم باستعادة جزء من الثقة الشعبية والسياسية بقدرة الحكومة على تحقيق التغيير التدريجي المنظم”.
ولفت إلى تمكن الحكومة ورغم التحديات الإقليمية والدولية؛ من الحفاظ على الاستقرارين السياسي والاقتصادي، ما وفّر أرضية صلبة لترسيخ الثقة، خاصة في ظل الضبابية التي تسود المنطقة، واستطاعت أن توازن بين ضبط المالية العامة وتحفيز الاستثمار والإصلاح الإداري، مع الاهتمام بالبعد الاجتماعي في العملية الاقتصادية.
وبين عايش أن المؤشرات أظهرت أن الاقتصاد الأردني بدأ يشهد تحولًا هادئًا لكن ثابتًا نحو إدارة أكثر علمية وانضباطًا، فمعدلات النمو في النصف الأول من العام الحالي، تراوحت بين 2.7 و 2.8 بالمئة وهي من أعلى النسب المسجلة منذ جائحة كورونا، بقيادة القطاعات الإنتاجية، لا سيما الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات الرقمية.
وأكد أن الحكومة سعت خلال عامها الأول إلى بناء جسور تواصل مع الرأي العام، عبر خطاب واقعي يركز على الأرقام والإنجازات، مشيراً إلى أن زيارات رئيس الوزراء والوزراء الميدانية إلى المحافظات حملت رسائل بأن الحكومة تعمل على الأرض لا من المكاتب، وهو ما عزز الثقة في جدية نهجها التنفيذي.
وعلى صعيد بيئة الأعمال، بين عايش أن تفاؤل المستثمرين والقطاع الخاص ازداد بفضل الاستقرار في القرارات الاقتصادية وتبنّي سياسات مالية أكثر توازنًا، مثل القرار المتعلق بالمركبات، الذي شكّل تحولًا في آلية صنع القرار المالي بما يخدم مصلحة جميع الأطراف.
وخلُص عايش إلى أن الأردن يسير بخطى ثابتة نحو اقتصاد أكثر استقرارًا واستدامة، وأكثر انفتاحًا على الاستثمار والتكنولوجيا والاقتصاد الأخضر، مؤكدا نجاح الحكومة في كسر الجمود وفتح مسار إصلاحي جديد يقوم على الفعل لا القول، ويؤسس لمرحلة أكثر نضجًا وفاعلية في مسار التحديث الاقتصادي الوطني.
من جانبه، أكد مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي، أن الحكومة حافظت على الاستقرار المالي والنقدي، وهو إنجاز بحد ذاته في الظروف الإقليمية المحيطة بالمملكة، إضافة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.8 بالمئة خلال الربع الثاني من العام الحالي 2025، معبرا عن أمله بأن ينعكس ذلك على توفير المزيد من فرص العمل.
ولفت إلى أن الصادرات ارتفعت بنسبة 8.1 بالمئة في نهاية شهر تموز الماضي من العام الحالي، وتحسنت في قطاعات الأدوية والأسمدة والخدمات الرقيمة، مشددا على أهمية توسيعها جغرافيا لأسواق جديدة.
وأكد حجازي أن الحكومة تبنت نهجاً إصلاحيا ركز على التنظيم والتخطيط للقطاعات ذات القيمة المضافة العالية، موضحا ” المشهد اليوم يعكس مرحلة انتقالية من إدارة يومية للاقتصاد إلى محاولة رسم مسار تنموي طويل الأمد”.
وفي هذا السياق، رأى حجازي أن المطلوب الآن هو تسريع التنفيذ، وتمكين القطاع الخاص بشكل أكبر، وتخفيف الأعباء عن المواطنين ليتحول الحديث عن الرؤية إلى نتائج ملموسة، والتي من المتوقع أن تعمل عليها الحكومة في المرحلة الثانية من البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي.
وأكد حجازي أن السياسات الحكومية ركزت على الإصلاح الاقتصادي والمالي، وأظهرت الحكومة قدرة على التعامل مع التحديات الإقليمية والمحلية بمرونة لضمان تحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة.