
تطل علينا من جديد أخبار التعديل الوزاري وتوقعات هنا وهناك، وترشيحات أسماء كل منها تختلف عن الأخرى بشكل كبير، ويتم تناقل ما يكتب في إحدى منصات التواصل الاجتماعي أو موقع إخباري حتى تصبح الإشاعات على نطاق واسع لدرجة الشعور بصدقها لدى البعض، نظراً لأن الأسماء المنسوخة هي ذاتها مع إجراء تعديل طفيف لتمرير اسم معين والتذكير به، وهذا المعتاد منذ عقود طويلة، وما يرافق تشكيلات الحكومات المتعاقبة ولاحقاً التغيير أو التعديل.
سمعنا سابقاً عن أن بعض الأشخاص يطلبون ويتوسطون لزج أسمائهم في قوائم بورصة الأسماء المرشحة لدخول الحكومة أو التعديل الوزاري من باب لفت النظر، وبعضهم لرفع قيمته الاجتماعية بين أقاربه وأصدقائه ليس أكثر من ذلك، فيما تُدرج بعض الأسماء في سياق تقاطع المصالح والرغبات الشخصية في أن يكون فلان «وزير» على اعتبار ما يمكن تحقيقه من منافع شخصية ومكاسب وغيرها.
تدخل تصفية الحسابات أحياناً في الضغط باتجاه استبعاد شخص من دخول الحكومة أو التعديل الوزاري، وفي ذات الوقت قيادة حملات منظمة أو عشوائية لإخراج وزير من الطاقم الحكومي نكايات شخصية أو محاسبته على موقف معين أو قرار اتخذه يضر بجماعات أصحاب المصالح، وربما لفسح المجال لاختيار آخر مكانه. وسابقاً نجحت قوى الضغط في إسقاط وزراء لأسباب لم تكن منطقية، وخلفهم من هم أقل منهم كفاءة وخبرة وأثبتوا فشلاً ذريعاً منذ التحاقهم بالدور الرابع.
بعد شهرين من تشكيلة حكومة الدكتور جعفر حسان، أُطلقت إشاعات التعديل، وما أن تخمد حتى تنشط مرة تلو الأخرى، وذلك يستند إلى موروث الشارع الأردني واعتياده على كثرة تشكيلات الحكومات وسرعة تعديلها، وبعضها تم إجراء تعديلات وزارية ثلاث وأربع مرات في عامها الأول، ولم تنعكس على الأداء، لأن التعديل يكون أحياناً استجابة للضغوطات أو ضخ دماء جديدة دون اعتماد أسس واضحة للتقييم والاختيار، ومن المحتمل أن التعديل يأتي لاستبعاد وزراء يشكلون إزعاجاً للرئيس، وتدخل العلاقات الشخصية في عمليات الاستقطاب والإقصاء.
يتضح أن الرئيس لم يستجب لضغوطات التعديل الوزاري ومحاولات التشويش على بعض الوزراء، لأن الفريق الوزاري يحتاج إلى وقت كافٍ للحكم على أدائه ومدى قيام كل وزير بمهامه، والحاجة إلى تسريع الإنجازات، بدليل أننا اقتربنا من إكمال الحكومة لعامها الأول دون إجراء أي تعديل وزاري، ما ساهم في إنجاز العديد من برامج العمل المعدّة، وخاصة ما يتعلق بالأولويات الواردة في البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادية، وما يتصل بعمل كل وزارة وما هو مطلوب منها، مع وجود حالات ضعف لدى عدد من الوزارات.
ليس من باب المصلحة العامة كثرة التغييرات والتعديلات الوزارية، لأن لذلك كلفته على الأداء العام والنفقات، وارتباك عمل الوزارات وعدم استقرارها، وحاجة الوزير لوقت كافٍ لفهم مهام عمل وزارته، خاصة إذا كان قادماً من خارج كادرها، في الوقت الذي يصبح فيه التعديل ضرورة بعد تطبيق معايير كاشفة ومرور وقت كافٍ للحكم على نجاح الوزير أو إخفاقه، واختيار الأكفأ والأفضل فقط.
كثرة الحديث عن التعديل الوزاري تربك عمل الوزراء وتعطّل إنجاز ملفات مهمة في كل وزارة، وتلحق الضرر بالوطن والمواطن، وليترك الأمر إلى أصحاب الشأن: جلالة الملك ورئيس الحكومة، الأقدر على تحديد كفاءة كل وزير ومدى الحاجة إلى التعديل.
“الدستور”