الدولار الأمريكي يتراجع وسط “أزمة ثقة” أشعلتها حرب ترامب التجارية

أردني – انخفض مؤشر الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له منذ أكتوبر2024، يأتي هذا في أعقاب سلسلة من إعلانات الرسوم الجمركية الأمريكية يوم الأربعاء (2 أبريل)، مما زاد من المخاوف بشأن تعرض النمو الأمريكي للخطر.
قال رئيس أبحاث العملات الأجنبية في دويتشه بنك “جورج سارافيلوس”: نظرًا للطبيعة الدراماتيكية لهذه التحركات، نشعر بقلق متزايد من أن الدولار معرض لخطر أزمة ثقة أوسع نطاقًا.
لماذا ينخفض الدولار؟
على الرغم من أن سعر تداول الدولار الأمريكي عادةً ما يستفيد من الآثار التضخمية لارتفاع الرسوم الجمركية، إلا أن الحرب التجارية رفعت توقعات خفض أسعار الفائدة وسط توقعات بضعف النمو الاقتصادي، وهذا يُضعف المعنويات حول قوة الدولار.
وأشار سارافيلوس إلى أسباب أخرى أيضًا، فمن وجهة نظره، فإن نهج الرئيس دونالد ترامب تجاه الرسوم الجمركية قد أضر بمصداقية السياسة الأمريكية، نظرًا للانقطاع الكبير بين الاتصالات الرسمية قبل الثاني من أبريل والنتيجة النهائية، وينبع جزء من قوة الدولار العالمية من الثقة في قيادة واشنطن.
وقال سارافيلوس: “نخشي أن يُضعف ذلك من مصداقية سياسة الادارة الأمريكية، وقد يتساءل البعض عن مدي وجود عملية تخطيط منظمة بما فيه الكفاية لاتخاذ القرارات الاقتصادية الرئيسية”.
ثانيًا، أشار سارافيلوس إلى أن تركيز وزير الخزانة “سكوت بيسنت” على التشديد المالي بعد وقت قصير من إعلان الرسوم الجمركية قد قوّض توقعات النمو الأمريكية بشكل أكبر، في وقت يبدو فيه بقية العالم مُستعدًا لزيادة الدعم المالي.
أزمة ثقة
وأضاف سارافيلون: “رسالتنا العامة هي أن هناك خطرًا من أن تطغى تحولات كبيرة في تخصيصات تدفقات رأس المال على أساسيات العملة، وأن تصبح تحركات أسعار الصرف غير منتظمة”.
هذه ليست المرة الأولى التي يحذر فيها سارافيلوس من أن الدولار يفقد ملاذه الآمن، حيث أشار سابقًا إلى تراجع الارتباط بينه وبين الأصول ذات المخاطر وأداء متفوق غير معتاد للعملات الأرخص وعجز في الحساب الجاري الأمريكي يزيد عن 4%.
وأضاف سارافيلوس أن الانخفاض المُشترك في سعر الدولار والأسهم الأمريكية، إلى جانب ارتفاع أقساط سندات الخزانة الأمريكية لأجل طويل، يعد أقوى مؤشر على تسارع وتيرة سحب الاستثمارات من الولايات المتحدة.
ركود، تضخم، رد فعل انتقامي؟
عزى المحللون هذا الانخفاض اليومي في الدولار الأمريكي إلى عدد من العوامل، فقد صرح “إيبك أوزكارديسكايا” كبير المحللين في بنك سويسكوت بأن الأسواق تتكيف مع تزايد احتمالية حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة وارتفاع التضخم في أكبر اقتصاد في العالم، وأضاف: “لن تشهد الشركات الأمريكية ارتفاعًا في تكاليفها بسبب الرسوم الجمركية فحسب، بل من المحتمل أيضًا أن تتأثر إيراداتها بالرسوم الجمركية الانتقامية، إن التوقعات بتعثر الاقتصاد الأمريكي بوتيرة أسرع من غيره تُلقي بثقلها على الدولار الأمريكي منذ يناير”.
وأيد “آرثر دي بونفيل” عضو فريق الأصول المتعددة في شركة إدموند دي روتشيلد إيه إم، فكرة أن الدولار الأمريكي من المرجح أن يظل تحت الضغطخاصة إذا ردت الدول المتضررة من الرسوم الجمركية، وقال: “يُثير هذا التصعيد في الرسوم الجمركية مخاوف بشأن ركود اقتصادي أمريكي، والذي سيكون تأثيره على العملة أكبر بكثير من الجانب التضخمي للرسوم الجمركية نفسها”.
وقال “بيتر فان دير فيلي” الخبير الاستراتيجي في شركة روبيكو، إن رد الفعل الأولي للسوق أظهر أن تجار العملات استنتجوا فورًا أن هذه الخطوة ستضر بالاقتصاد الأمريكي، يُظهر هذا أن السوق مُدركٌ للتأثير السلبي المُحتمل لهذه التعريفات على الاقتصاد الأمريكي، وكما أشار العديد من الاقتصاديين، لا يُمكن حل عجز الميزان التجاري من خلال سياسة التعريفات الجمركية، كما وصفوا أن التعريفات الجمركية كارثة اقتصادية ذاتية التسبب بها للولايات المتحدة.
أوروبا ترد على التعريفات الجمركية وتستعد للإنفاق
وأضاف المُعلقون أنه إلى جانب الرد الانتقامي المُحتمل، فإن احتمال اتخاذ تدابير إقليمية ذاتية الدعم قد يدعم اليورو مقابل الدولار، في الثاني أبريل أعلن الاتحاد الأوروبي عن تدابير دعم مُحتملة في حال فشل المفاوضات، وإذا أصبحت التعريفات الأمريكية عقابية للغاية.
ويعتقد خبراء سوق العملات إن مكاسب اليورو قد تستمر مع إعادة المستثمرين العالميين تموضعهم في أوروبا، حيث كانت مكاسب سوق الأسهم مُذهلة هذا العام، وأبدت أكبر الحكوماتمثل ألمانيا استعدادها لتوسيع سياساتها المالية، وأضافوا: “أنه لا يزال من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات قاطعة، لكن هذا الاتجاه قد يستمر على المدى القصير”.
حروب التعريفات الجمركية تعني تغييرًا في العملات وتدفقات رأس المال
إن الطبيعة غير المتوازنة للتعريفات الجمركية قد تُغير ديناميكيات أسواق العملات، على سبيل المثال: فُرضت على المملكة المتحدة رسوم جمركية بنسبة 10% لكن دولًا أخرى خارج منطقة اليورو واجهت رسومًا أعلى، ومن المتوقع أن تتأثر عملات الاقتصادات التي تواجه رسومًا جمركية أعلى من 10% لأن الرسوم الجمركية الأمريكية تُقلل الطلب على العملات الأجنبية، كما أن الرسوم الجمركية قد تُؤدي أيضًا إلى انعكاس في تدفقات رأس المال في النظام المالي العالمي.
قامت العديد من الدول بتحويل فوائض حساباتها الجارية إلى الأصول المالية الأمريكية، ومن المؤكد أن الرسوم الجمركية ستدفع هذه الدول إلى التفكير في إعادة رؤوس أموالها إلى الأسواق المحلية، مما سيُضعف الدولار الأمريكي والأصول التي مولتها، وخاصة الأسهم الأمريكية والأوراق المالية الائتمانية.
صرح “أليساندرو فيتالوني” كبير مديري المحافظ الاستثمارية في سيمفونيا إس جي آر، بأن إعادة تمويل الديون الأمريكية في عام 2025 ستكون أيضًا عاملاً مؤثرًا في الأشهر المقبلة، وأضاف: “قد يُشكل الانخفاض المفرط في قيمة الدولار، مقترنًا بالتقلبات العالية، مشكلة، لذا من الضروري أن تُثبّت الحكومة الأمريكية سعر الصرف عند مستويات مُحددة لتجنب التقلبات المفرطة والتمكن من إعادة تمويل الديون المحلية”.
رسوم ترامب الجمركية تُضعف من جاذبية الدولار كملاذ آمن
تخلى المستثمرون عن شراء الدولار الأمريكي الذي يعد أكثر الملاذات أمانًا في العالم لاستثمار أموالهم فى أوقات الاضطرابات، وذلك مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية والقلق تجاه تأثيرها المحتمل علي النمو الاقتصادي الأمريكي.
أعلن الرئيس الأمريكى”دونالد ترامب” يوم الأربعاء الثاني من أبريل عن رسوم جمركية أكبر حجمًا وأوسع نطاقًا علي60 دولة، والتي تشمل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وهم أكبر شركائها التجاريين، الأمر الذي أدي إلى تراجع الدولار بشكل عام، بينما حققت الملاذات الآمنة الأخري ارتفاع مع الاضطرابات الكبيرة في أسواق الأسهم عقب أنباء الرسوم الجمركية.
فيما يلي لمحة عن مكانة الدولار مقارنةً بالملاذات الآمنة الشائعة الأخرى.
١/ تراجع الدولار الأمريكي
وقد خسر الدولار الأمريكي بريقه كأفضل بديل استثماري آمن، ويعود ذلك بالأساس إلي الاضطرابات الداخلية التى أطلقتها رسوم ترامب الجمركية، والتى زادت من مخاطر الركود الاقتصادى الأمريكى.
عادة ما يرتفع الدولار الأمريكي عند تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500، ولكنانخفض كلاهما مؤخرًا، فى إشارة إلي عدم استفادة الدولار الأمريكي من التدفقات للملاذ الآمن.
أظهرت بيانات بورصة لندن للأوراق المالية أن مؤشر الدولار الأمريكي انخفض بنحو 4% منذ بداية هذا العام ليسجل أسوأ بداية منذ عام 2016، ويعتقد الخبراء أن المستثمرين حتي الآن لم يستوعبوا بعد مخاطر الركود بشكل كامل، مما يسمح باستمرار ضعف الدولار مع هروب رؤوس الأموال من الأصول الأمريكية في ظل تلاشي الاستثنائية الاقتصادية.
ولكن في حين أن سياسات ترامب الاقتصادية المتسرعة والمتساهلة قد أضرت بالثقة في الدولار كملاذ آمن افتراضي، يعتقد بعض المستثمرين أنه قد يستعيد جاذبيته في نهاية المطاف مع تأثر النمو العالمي.
2/ تاريخ ذهبي
يعود دور الذهب كأفضل ملاذ آمن إلي ما قبل أى نظام مالى، يميل الذهب إلي الارتفاع معأزمات الأسواقوقلق المستثمرين المتزايد، على سبيل المثال: خلال أزمة الطاقة فى السبعينياتوالركود الاقتصادى الأمريكى في عام 1980وجائحة كوفيد19 في عام 2020، جميعها شهدت ارتفاعًا في قيمة الذهب، الآن، ارتفع سعر الذهب لأعلى مستوي له علي الاطلاق متجاوز مستوي 3000دولار للأونصة، بعد أن تضاعفت قيمته تقريبًا فى العامين ونصف العام الماضيين فقط.
استحوذت البنوك المركزية ومديرو المحافظ الاستثمارية والمستثمرون الأفراد على حد سواء على الذهب كأصل تحوطي ضد التضخم المرتفع الناتج عن أزمة كوفيد19 ومن أزمة الطاقة العالمية، وعلى الرغم من انخفاض التضخم إلا إنهم استمروا فى الشراء، ومع تزايد تداعيات سياسات ترامب الإنعزاليةاشترى الكثيرون الذهب كأفضل بديل سائل للدولار.
3/ المقاومة
ربما يكون الين اليابانى منالعملة الرئيسية التي تستفيد من تدفقات الملاذ الآمن، وعادةً ما يكون أداؤه جيدًا عندما تتعثر الأسهم، كان الين على وشك تحقيق أفضل أداء يومي له أمام الدولار منذ سبتمبر في يوم الأربعاء (2 أبريل)، وقد سجل مكاسب بنحو7% تقريبًا هذا العام، في حين حقق الفرنك السويسرى وهو ملاذ آمن آخر ارتفاع بأكثر من 4%.
4/ اتخاذ موقف دفاعي
أثناء فترات الركود الاقتصادي والأزمات المالية تتأثر الأسهم سلبًا، حيث يجنى المستثمرون الأرباحويبحثون عن ملاذ آمن بعيدًا عن المخاطرة، لكن أغلب المستثمرين لا يستطيعوا التخلى عن سوق الأسهم بشكل كامل،لهذا عندما تتفاقم الأزمة يميل المستثمرون إلي الاستثمار فى الأسهم التى ستصمد أرباحها أمام الركود، على سبيل المثال: أسهم شركات الأدوية والأغذية والمرافق والمشروبات.
خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، تقدمت الأسهم الدفاعية علي الأسهم الدورية والتي ترتبط ارتباط وثيق بالاقتصاد العالمى، علي سبيل المثال: أسهم شركات التعدين أو التكنولوجيا.
٥/ الرهان على السندات
يُخفف تجدد القلق بشأن الرسوم الجمركية، في الوقت الحالي على الأقل، من ضغط بيع السندات الحكومية التي تستفيد عادةً من تدفقات الملاذ الآمن في ظل الضغوط العالمية.
انخفض عائد سندات الخزانة الألمانية القياسية لأجل عشر سنوات من أعلي مستوي له في خمسة أشهر تقريبًا والذي تم تسجيله الشهر الماضي، والذي ارتفع بفضل توقعات بأن زيادة الإنفاق الألماني ستزيد من مبيعات السندات.
انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات بأكثر من 10 نقاط أساس يوم الأربعاء وحده، وهي في طريقها لتسجيل أكبر انخفاض أسبوعي لها في خمسة أسابيع.
مع ذلك، من المؤكد أن كل ذلك لم يكن مدفوعًا فقط بالبحث عن الأمان، فقد زادت المخاوف بشأن الرسوم الجمركية أيضًا من مخاطر الركود واحتمالات المزيد من التخفيضات العالمية في أسعار الفائدة، وهي خلفية عادةً ما تُفيد السندات.