قبل سنوات قليلة، أجرت اللجنة الخاصة بجائزة الملك عبد الله للتميز تقييما لتحديد هوية الفائزين من موظفي ومؤسسات الدولة بالجائزة، حيث اكتشفت اللجنة حينها أن أعلى درجة حصل عليها المتسابقون هي 40 %، علما بأن الحد الأدنى للقبول هو 60 %.
حينها ارتأى بعض أعضاء اللجنة العليا للجائزة إلغاءها في تلك السنة لعدم وجود متأهلين حقيقيين، لكن البعض الآخر قرر “تسليك” الجائزة لتلك الفترة، مع التشديد على العلامات المؤهلة في الأعوام القادمة.
نعم، من يصدق أن الذين استلموا جوائز التميز من موظفي ومؤسسات حكومية في تلك السنة كانوا أفضل السيئين للأسف.
أقول هذا للتأكيد على أن التراجع الذي أصاب القطاع العام كان كبيرا وعميقا، وليس من السهل معالجة الاختلالات نتيجة المقاومة الشرسة من فئة من موظفي الدولة أنفسهم الذين تساقطوا على المؤسسات الرسمية بالبراشوت، فكانت الواسطات والمحسوبيات هي أساس التعيينات وليس الكفاءات.
هؤلاء باتوا اليوم يتحكمون بمفاصل الإدارة العامة للدولة، والكل يشكو منهم ومن سلوكياتهم وبيروقراطيتهم السلبية المعيقة لتقديم الخدمات للمواطنين والقطاع الخاص معا، حتى القطاع العام نفسه يشكوهم.
نعم، ما أقرته الحكومة من نظام إدارة الموارد البشرية هو الأساس الصحيح، والذي تأخرت فيه سنوات عديدة، مما أدى إلى هذا الأداء الضعيف في الخدمة العامة.
نظام إدارة الموارد البشرية هو الأساس، وما جاء به من بنود معمول بها في كل دول العالم التي تهدف لتطوير أعمالها وأنشطتها، وهو معمول به في القطاع الخاص الأنجح والأكثر كفاءة من القطاع العام.
الأصل في إدارة أي نظام للموارد البشرية هو الوصول إلى عمل مؤسسي في السياسة العامة لإدارة الموارد البشرية بما يضمن رفع الإنتاجية والكفاءة للموظفين، وبما يضمن أيضا تمكين القطاع العام وتفعيله وتحقيق إدارة فعالة للموارد البشرية في كل دائرة، وإعطاء الصلاحيات اللازمة لتلك الدوائر لتأدية أدوارها والتزاماتها.
الموظف في القطاع العام ليس محصنًا، “من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن”، فالأصل أن لا يُعين إلا وفق حاجة المؤسسات لتلك الوظائف لا أن يتم اختراعها وتفصيلها للبعض، والطبيعي أن لا يُعيَّن أحد إلا وفق الكفاءة لا المحسوبية والواسطة، وأن يُثاب الموظف المنجز والمبدع بشكل يتناسب مع عمله ونشاطه لا أن تُمنح الزيادات وفق نظام الأعطيات للجميع، وأن يُعاقب كذلك في حال خطئه وفق الأنظمة المعمول بها لا أن يُترك ويتم ترقيعه مع نهاية كل سنة مالية.
أقولها بصراحة، ما أقرته الحكومة من نظام الموارد البشرية هو أمر شجاع وتحديدًا في هذه الفترة، وستواجه مقاومة شرسة من جهات متعددة ليس لها مصلحة أبدًا في إصلاح القطاع العام، وستقدم ذرائع واهية ليس لها أساس من الصحة لتأجيل أو تعطيل أو تشويه تنفيذ هذا النظام، حيث سيحاولون قدر المستطاع التسلل إليه بتفسيرات تجمد عمليات الإصلاح المنشودة فيه.
هل يتذكر أحد نظام الإصلاح الإداري الذي أقر في عام 2011، والذي كان بكلفة 81 مليون دينار، ليتم تعطيله بشكل خفي أدى إلى زيادة كلفته المالية بأكثر من نصف مليار دينار؟ شخصيًا أعتبره أكبر قضية فساد إداري في تاريخ المملكة، ناهيك عن الدمار الكبير الذي أصاب جهاز الدولة الإداري بخروج غالبية الكفاءات إما للتقاعد أو لوظائف أخرى، في حين بقي غالبية المتساقطين بالبراشوت ينعمون بفلتان القطاع العام، ويخرقون ويحصلون على أعطيات الحكومة من الزيادات السنوية التي يتساوى الجميع فيها مع كل أسف.
نظام إدارة الموارد البشرية يضع الحكومة في اختبار حقيقي لتنفيذ سيادة القانون وإحقاق العدالة الوظيفية، والعبرة تبقى في النهاية بالتنفيذ.
الغد