مقالات

الفكر الاقتصادي حين يسبق المالي

د. رعد محمود التل

اتخذ مجلس الوزراء برئاسة الدكتور جعفر حسان، خطوة استراتيجية مهمة لدعم الاقتصاد الوطني من خلال الموافقة على مشروع نظام معدِّل لنظام إعفاء أرباح صادرات السلع والخدمات من ضريبة الدخل لسنة 2024.

وقد أحيل المشروع إلى ديوان التشريع والرأي للسير في إجراءات إقراره حسب الأصول، ويهدف هذا التعديل إلى تحفيز النمو الاقتصادي بشكل أكبر من خلال إعادة توزيع الموارد المالية بشكل يحقق عوائد طويلة الأجل وليس مجرد تحقيق مكاسب ضريبية قصيرة الأجل.

هذا النظام المعدل يتجاوز النظرة التقليدية لمفهوم الضرائب، ويركز على التفكير الاقتصادي بعيد المدى، حيث يسعى لتعزيز قدرة القطاعات الاقتصادية المختلفة على زيادة إنتاجيتها وتحفيز التصدير بشكل ينعكس إيجابيًا على الناتج المحلي الإجمالي. يتم ذلك من خلال إعفاء الدخل الصافي المتحقق للمكلفين من تصدير عدد من الخدمات حتى نهاية عام 2033، مع التركيز على قطاعات رئيسية تشكل قاطرة للنمو الاقتصادي المستدام. تشمل هذه القطاعات خدمات الحاسوب، ودراسات الجدوى الاقتصادية، والاستشارات القانونية والهندسية، والمحاسبية، وإدارة الموارد البشرية، والإنتاج، إلى جانب خدمات الإنترنت المقدمة لعملاء خارج المملكة، والتعاقد الخارجي، والإنتاج التلفزيوني والسينمائي.

الهدف الرئيسي من هذه التعديلات ليس فقط التخفيف من العبء الضريبي على هذه القطاعات، ولكن أيضًا تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الأردني على المستوى الدولي. من منظور اقتصادي، هذا النوع من الدعم يساهم في تحفيز الابتكار وزيادة الإنتاجية، ما يعزز مكانة الأردن كمركز إقليمي لتصدير الخدمات الرقمية والتقنية. هذه القطاعات تمثل جزءاً أساسياً من الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة والتكنولوجيا، وهو ما يدعم التوجه الاقتصادي الحديث نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية.

من جانب آخر، إدراج إعفاء خدمات التحكيم الدولي في هذه التعديلات يعكس تفكيراً استراتيجياً بعيداً عن السياسات المالية التقليدية. هذا النوع من التحفيز يهدف إلى استقطاب النزاعات الدولية للحل في الأردن، مما يرفع من مكانة المملكة كمركز إقليمي للتحكيم وحل النزاعات الاقتصادية. من شأن هذه الخطوة أن تفتح مجالات جديدة للاستثمار، خصوصاً وأن التحكيم الدولي يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد العالمي الحديث، ويشمل هذا الإعفاء أتعاب المحكمين والمحامين والخبراء، بشرط أن يكون أحد عناصر العملية التحكيمية أجنبيًا.

ما يميز هذا التعديل هو النظرة الشاملة للاقتصاد؛ حيث إنه لا يقتصر على تحسين ميزان الصادرات من خلال إعفاءات ضريبية، بل يسعى إلى تحقيق نقلة نوعية في هيكلة الاقتصاد الوطني. التركيز على القطاعات الرقمية والخدمات المستقبلية يعكس فهمًا اقتصاديًا متقدمًا لدور التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي في تعزيز النمو طويل الأجل. فهذه القطاعات ليست مجرد قطاعات إنتاجية، بل هي محركات للتحول الاقتصادي تسهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة القيمة المضافة للاقتصاد المحلي.

تتجلى الأهمية الاقتصادية لهذه التعديلات من خلال تأثيرها المتوقع على قطاعات مثل الصناعة، والزراعة، والسياحة، وهي قطاعات تعتبر أساسية في دفع عجلة النمو الاقتصادي. الإعفاءات الضريبية المقدمة لهذه القطاعات ستساهم في زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز قدرتها على المنافسة في الأسواق الدولية.
في الختام، يعكس هذا النظام المعدل نظرة اقتصادية استراتيجية تهدف إلى تمكين القطاعات ذات الإمكانات العالية وتوجيه الموارد نحو دعم التصدير والاستثمار في الاقتصاد الرقمي. إنه جزء من رؤية أشمل للتحديث الاقتصادي، تهدف إلى خلق اقتصاد متنوع ومستدام، قادر على التكيف مع المتغيرات العالمية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة في المستقبل.

الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى