
أردني – أكد خبراء بالشأن الاقتصادي أن تواجد منتخب النشامى في نهائيات كأس العالم، يمثل محركا حقيقيا وفرصة للنمو الاقتصادي وتوليد وظائف مستدامة، واستقطاب استثمارات نوعية.
وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن التجارب الدولية أظهرت أن الدول التي نجحت في تحويل الزخم الرياضي إلى عائد اقتصادي لم تعتمد على الحدث بحد ذاته، بل لفت الانتباه العالمي وتحويله إلى طلب سياحي واستثماري.
وقال الخبير في حوكمة التحول الرقمي وخصوصية البيانات الدكتور حمزة العكاليك إنه في اللحظة التي سيقف فيها النشامى وجهاً لوجه أمام عمالقة الكرة كالأرجنتين، لن يرى العالم مجرد 11 لاعباً في الميدان، بل سيرى الهوية الوطنية الأردنية وهي تُعالج عبر ملايين الخوارزميات العابرة للقارات.
وأشار إلى أن هذا الحدث هو إعصار رقمي ومنصة اقتصادية كبرى تتطلب منا الانتقال من عقلية المشجع إلى عقلية المستثمر الرقمي، لافتا إلى أننا أمام فرصة تاريخية لتحويل الأردن إلى مختبر حي لتصدير الكفاءات والمحتوى، مستندين إلى حقيقة أن لدينا أكثر من 10 آلاف خريج سنوي في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يمثلون النفط الجديد الذي ينتظر المساهمة في رفع الدخل القومي الإجمالي.
وأضاف: في اقتصاد القرن الحادي والعشرين، الانتباه هو السلعة الأغلى، وتواجد الأردن في مجموعة تضم الأرجنتين يعني أن اسم المملكة سيتردد في مليارات عمليات البحث، فهنا يبرز دور حوكمة البيانات، فالهدف ليس نشر صور سياحية تقليدية، بل بناء منظومة وطنية تعمل كمصفاة بيانات لتحليل سلوك المشجع العالمي، فعبر تقنيات تحليل المشاعر والذكاء الاصطناعي، يمكننا فهم ما يثير فضول المشجع اللاتيني أو الأوروبي تجاه الأردن، ومن ثم توجيه خوارزميات منصات التواصل لتقديم محتوى فائق التخصيص يحول هذا الفضول إلى تدفقات نقدية عبر السياحة الرقمية أو التجارة الإلكترونية.
ولتحويل هذا الزخم إلى دخل قومي مستدام، بين العكاليك أنه يجب التحرك فوراً وفق خطة عمل تنفيذية تقوم على إنشاء مركز “التميز للمحتوى الغامر”، وذلك بتجميع خريجي الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز لإنتاج تجارب رقمية تتيح للمشجع العالمي التجول في البتراء وجرش وأم قيس من غرفته، فهذه التجارب ليست مجرد فيديو، بل منصات تفاعلية تسمح بشراء حقوق ملكية رقمية لقطع تراثية أو حجز رحلات سياحية ذكية، مما يولد إيرادات مباشرة ومستدامة.
ودعا العكاليك إلى تطوير منصة التجارة الثقافية العابرة للحدود، وذلك بربط الهوية الوطنية بسلسلة توريد رقمية، حيث يمكن للمشجع الذي أعجب بالثقافة الأردنية خلال المونديال أن يقتني منتجات يدوية أو تقنية أردنية بضغطة زر، مدعومة بلوجستيات ذكية وحلول دفع رقمية متطورة.
بدوره، قال المدير التنفيذي لشركة “مكانة 360” عبد الرحمن الحسامي إن تواجد الأردن في كأس العالم يمكن أن يتحول إلى دخل قومي عندما نتعامل معه كـفرصة اقتصادية وطنية وليس كحدث رياضي عابر، فالمونديال يضع اسم الأردن على منصة عالمية تُنتج “طلبًا” جديدًا: طلبًا على زيارة الأردن، وعلى متابعة قصته الرياضية، وعلى التعامل معه كبيئة مستقرة قابلة للأعمال والاستثمار.
وأشار إلى أنه في تقرير الشركة الأخير، ظهرت مؤشرات واضحة على حجم هذا الطلب خلال فترة قصيرة؛ إذ سجل حضور الأردن رقميًا وإعلاميًا خلال الفترة من 1–10 كانون الأول العام الحالي بمعدل 588.3 ألف محادثة بزيادة 66 بالمئة عن الفترة السابقة، وبلغ التفاعل مع المحتوى الذي يذكر الأردن 27.8 مليون تفاعل بزيادة 89 بالمئة، فيما وصل عدد المواد الإعلامية المنشورة عن الأردن إلى 76.5 ألف مادة بزيادة 64 بالمئة، وارتفع الوصول الإعلامي بنسبة 73 بالمئة مقارنة بالفترة المرجعية السابقة.
وحول كيفية ترجمة تواجدنا في كأس العالم إلى دخل قومي، بين الحسامي أنه على مستوى السياحة يمكن ترجمة الاهتمام العالمي إلى إيرادات مباشرة عبر حملات تسويق موجهة خلال قمم الاهتمام، وربطها بعروض سفر محددة ومسارات حجز سهلة، وإبراز الأردن كوجهة قريبة وآمنة وغنية بالتجارب.
وأشار إلى أن مؤشرات الاهتمام المعرفي تُظهر وجود فضول دولي فعلي قابل للتحويل إلى زيارة؛ إذ حصدت صفحة الأردن على ويكيبيديا 40118 زيارة خلال 1–10 كانون الأول، أي أعلى بنحو 20 بالمئة من متوسط الزيارات الأسبوعي المعتاد، لافتا إلى أن نجاح هذه المقاربة يعني زيادة أعداد الزوار، ورفع إشغال الفنادق، وتنشيط المطاعم والنقل والخدمات، وهي قطاعات كثيفة التشغيل وتستوعب فرص عمل واسعة للشباب.
ولف إلى أن بيانات التقرير أكدت أن كرة القدم أصبحت خلال أسبوع القرعة هي المحرك الأبرز لصورة الأردن رقميًا؛ إذ ارتبط 76 بالمئة من التفاعل بالمحتوى الذي يذكر الأردن بكرة القدم، مع ارتفاع حصة الاهتمام المرتبطة بكرة القدم بأكثر من 530 بالمئة خلال الفترة نفسها.
كما سجلت مؤشرات المتابعة على المنصات المرئية ارتفاعًا لافتًا، حيث ارتفعت عمليات البحث على يوتيوب بأكثر من 50 ضعفًا عن محتوى سلسلة انتصارات المنتخب الأردني في كأس العرب، مبينا أن هذه المنظومة تولّد دخلًا مباشرًا ووظائف في التسويق الرياضي وإنتاج المحتوى وإدارة الفعاليات والتجارة الإلكترونية وسلاسل التوريد المرتبطة بها.
وقال إن الاهتمام بالأردن لم يعد محصورًا بالمنطقة العربية؛ إذ سجلت المحادثات باللغات الإسبانية والبرتغالية حصة تقارب 15.7 بالمئة مع قفزة وصلت إلى نحو 5400 بالمئة خلال أسبوع واحد، وارتفعت المحادثات بالفرنسية بنسبة 990 بالمئة، بينما شكلت الإنجليزية نحو 14.7 بالمئة بزيادة 87 بالمئة، ما يشير إلى دخول أسواق وجماهير جديدة يمكن مخاطبتها اقتصاديًا بلغة مناسبة ومحتوى ملائم.
من جهته، قال مدير الأكاديمية الوطنية للسياحة والطيران، والخبير في الاستدامة السياحية وأستاذ شرف في جامعة ملقا، الدكتور محمود الدويري، إن تواجد الأردن في كأس العالم يمثل أصلًا اقتصاديًا وطنيًا نادرًا إذا ما أُحسن استثماره ضمن إطار مؤسسي واضح، منسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي 2023–2033 التي تضع زيادة الدخل القومي، وخلق فرص العمل، وجذب الاستثمارات في صدارة أولوياتها.
وقال الدويري: بالنسبة للأردن، ومع تسجيل إيرادات سياحية تقارب 6 مليارات دينار سنويًا، فإن استثمار التواجد في كأس العالم ضمن حملة وطنية ذكية يمكن أن يحقق زيادة واقعية تتراوح بين 2 إلى 5 بالمئة سنويًا، أي ما يعادل 105 إلى 263 مليون دينار إضافية في الناتج المحلي، دون الحاجة إلى استثمارات رأسمالية ضخمة، بل عبر تحسين التحويل من المشاهدة إلى الزيارة والحجز.
وأشار إلى أن هذا النمو ينعكس مباشرة على العمالة في قطاع السياحة، فالقطاع يشغّل حاليًا نحو 856،55 ألف عامل مباشر داخل المنشآت السياحية، وأكثر من 290 ألف وظيفة مدعومة على امتداد سلسلة القيمة، وعليه، فإن زيادة الإيرادات بنسبة 5 بالمئة يمكن أن تولّد ما يقارب 4 آلاف فرصة عمل مباشرة جديدة، وأكثر من 12 ألف فرصة عمل غير مباشرة في الخدمات اللوجستية، ما يسهم بفاعلية في خفض معدلات البطالة، خاصة بين الشباب.
من ناحيته، قال أستاذ التنمية الاقتصادية وأسواق العمل بقسم الاقتصاد بكلية الأعمال في جامعة الحسين بن طلال، ابراهيم الهوارين أن الأردن باعتباره مشاركًا لأول مرة في كأس العالم، من المتوقع أن يحظى باهتمام خاص كونه يقع في مجموعة تضم بطل كأس العالم الماضي، وهو المنتخب الأرجنتيني الذي يضم الأسطورة الكروية ليونيل ميسي، مشيرا إلى أن الاهتمام بدأ يظهر بوضوح عبر محركات البحث، مثل جوجل، التي شهدت تزايداً كبيراً في عمليات البحث عن معلومات تتعلق بالأردن.
وحول كيفية توظيف هذه التظاهرة العالمية المتزايدة الاهتمام لخلق تأثير اقتصادي مستدام يدفع عجلة النمو الاقتصادي والتشغيل في المملكة، قال إن أحد محركات النمو الاقتصادي في رؤية التحديث الاقتصادي هو تحويله إلى وجهة عالمية مميزة، سواء من خلال السياحة أو الإنتاج التلفزيوني والسينمائي.
وقال من هذا المنطلق، يمكن للقطاع الخاص العامل في السياحة أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني عبر توظيف مهاراته في التسويق السياحي خلال هذه التظاهرة، ما سيسهم في جذب مزيد من السياح وزيادة الطلب السياحي، ما سينعكس إيجابًا على الإيرادات السياحية والانفاق الكلي في المملكة، وهو ما من شأنه توفير فرص عمل مباشرة في هذا القطاع والتأثير على التوظيف إيجابا وبشكل غير مباشر في القطاعات الأخرى.
وأضاف الهوارين: يجب أن يتضمن الترويج ليس فقط المواقع الاثرية مثل البتراء، ولكن أيضا السياحة العلاجية والدينية وسياحة المؤتمرات.
وأوضح أن كأس العالم يقدم أيضًا فرصة مهمة للترويج للأردن كموقع مهم في صناعة السينما، خصوصًا التعاون مع المنتجين في قطاع السينما في الولايات المتحدة، فالأردن يمتلك مواقع سياحية متنوعة ومؤهلات فنية متميزة، فضلاً عن الكوادر البشرية المؤهلة والتي تتسم بالكفاءة والقدرة على تقديم خدمات إنتاج سينمائي بأسعار منافسة.
وأضاف أنه يمكن للقطاعين العام والخاص التعاون مع منتجي الأفلام لإنشاء اتفاقيات طويلة الأجل تعزز مكانة الأردن كموقع رئيسي لإنتاج الأفلام السينمائية، بالإضافة لتحفيز قطاع الرياضة في الأردن وزيادة عوائده.



