"\n"
مقالات

بهدوء عن التعرفة الجمركيّة الجديدة: فرصة مؤقتة أم نقطة تحوّل للصادرات الأردنية؟

د. رعد محمود التل

القرار الأمريكي بفرض تعرفة جمركية بنسبة 15% على الصادرات الأردنية أثار اهتماماً واسعاً في الأوساط الاقتصادية. فالمقارنة مع الرسوم المفروضة على دول منافسة مثل فيتنام (46%)، وبنغلاديش (35–37%)، ومصر (حوالي 10%)، تعطي انطباعاً أولياً بأن الأردن بات في موقع تنافسي أفضل بالنسبة لغيره في السوق الأمريكية. لكن هذه القراءة، رغم أهميتها، تحتاج إلى تحليل أعمق يتجاوز الأرقام المباشرة إلى فهم طبيعة المنافسة العالمية وديناميكيات السوق الأمريكية والأسواق المنافسة للأردن.

“الميزة السعرية” الحالية تمنح الأردن متنفساً قصيراً، خاصة في قطاع الملابس والمنسوجات الذي يمثل العمود الفقري للصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة. غير أن المنافسين لديهم العديد من الأدوات ولن يقفوا مكتوفي الأيدي. فاقتصادات مثل فيتنام وبنغلاديش تتمتع بقدرات إنتاجية هائلة، وبنية صناعية مرنة، وسلاسل توريد متكاملة، ما يمكنها من امتصاص أثر الرسوم الجمركية عبر خفض الأسعار، أو تحسين الكفاءة، أو الحصول على دعم حكومي مباشر وغير مباشر. كما أن وفورات الحجم وسلاسل التوريد المتكاملة تمنحها مرونة أعلى في التعامل مع تغيرات السوق. أما مصر، فرغم أن رسومها أقل من الأردن، إلا أن حصتها في السوق الأمريكي ما زالت محدودة نسبياً، ما يجعل أثر الرسوم عليها مختلفاً في طبيعته.

وفورات الحجم التي تمتلكها هذه الدول تمثل أداة تنافسية قوية. ففيتنام، التي تواجه رسوماً قد تصل إلى 46% على بعض المنتجات، قادرة على توزيع التكاليف على حجم إنتاج ضخم، مما يقلل تكلفة الوحدة الواحدة. أما بنغلاديش، فرغم الرسوم المرتفعة (35–37%)، فإنها تعتمد على قاعدة إنتاج منخفضة التكلفة، وتستفيد من دعم واسع لقطاع النسيج، مما يتيح لها تعديل استراتيجيات التسعير بسرعة للحفاظ على حصصها السوقية.

هنا يبرز التحدي الأكبر للأردن: الاعتماد على ميزة ناتجة عن قرار سياسي خارجي. فالرسوم المفروضة اليوم يمكن تعديلها أو إلغاؤها غداً، كما أن ردود فعل المنافسين قد تبدأ بالظهور خلال أشهر، عبر تخفيضات سعرية أو تحركات لوجستية أو حتى تحالفات تصديرية جديدة.

ولتحويل الفرصة المؤقتة إلى مكسب مستدام، يجب على الأردن تبني استراتيجية مزدوجة المسار. المسار الأول – إجراءات تكتيكية قصيرة المدى: تشمل توفير دعم تمويلي مرحلي للمصدرين، وتحسين الكفاءة اللوجستية لخفض تكاليف الشحن، ومراقبة السوق الأمريكية لمواجهة أي ممارسات إغراق، خاصة من الدول التي تواجه رسوماً أعلى.

المسار الثاني: إصلاحات هيكلية طويلة المدى: تتضمن تحديث خطوط الإنتاج، وتطوير مهارات العمالة وفق معايير السوق المستهدفة، وزيادة المحتوى المحلي في المنتجات، وبناء علامات تجارية أردنية قادرة على المنافسة عالمياً، وتنويع الأسواق لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية وحدها.

إن تعزيز القدرات التفاوضية للأردن في ملف التجارة الدولية أمر لا يقل أهمية ايضا، هذا يتطلب فرقاً فنية واقتصادية وقانونية متخصصة، تعمل على صياغة اتفاقيات جديدة وتوسيع فرص النفاذ التفضيلي، بما يحمي مصالح المصدرين الأردنيين ويعزز استدامة النمو في القطاعات التصديرية.

المعادلة واضحة اذن، الرسوم الجمركية الحالية منحت الأردن أفضلية سعرية مؤقتة مقارنة بفيتنام وبنغلاديش، بينما بقيت أقل ميزة أمام مصر. لكن المنافسة الحقيقية لا تُحسم بالأرقام وحدها، بل بقدرة الاقتصاد على بناء مزايا إنتاجية وتسويقية طويلة الأمد.

إذا استغل الأردن هذه المرحلة لبناء قاعدة إنتاجية أكثر كفاءة، وتحويل المكاسب السعرية الحالية إلى قوة تنافسية حقيقية، فقد تصبح التعرفة الجديدة نقطة إنطلاق لمرحلة توسع في السوق الأمريكية، وربما في أسواق أخرى. أما إذا اكتفينا بالاعتماد على ظرف خارجي مؤقت، فسنتعرض لخطر فقدان الحصة السوقية بمجرد أن تتغير قواعد اللعبة.

“الرأي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى