"\n"
مقالات

تطبيع أم سلام؟

فهد الخيطان

قبل أحداث السابع من أكتوبر 2023 كانت القناعة السائدة في الأوساط الأميركية والإسرائيلية، أن التطبيع مع دول في الإقليم، وفق الصيغة المعروفة بالاتفاقيات الإبراهمية، هي الوصفة التي ستجلب الأمن والازدهار في الشرق الأوسط، دون الحاجة لسلام قائم على مبدأ حل الدولتين.

المثير للدهشة حقا، أن هذه العاصفة وما تلاها من هزات كبرى في دول المنطقة، لم تبدل هذه القناعات، حتى مع تغيير الإدارة الأميركية، وتراجع دول عن موقفها بشأن التطبيع مع إسرائيل.

التصورات السائدة هذه الأيام، أن وقف إطلاق النار في غزة، كفيل بإطلاق القطار الإبراهيمي من جديد. ويجري تداول أسماء عدد من الدول العربية والإسلامية، المرشحة للالتحاق بركب التطبيع مع إسرائيل.هذا الاعتقاد الساذج يردده عدد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب. والأغرب من ذلك أن رموز حكومة المتطرفين في إسرائيل لا ترى تعارضا بين السير في خطوات التطبيع، ومخططات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية” قبل نهاية الشهر الحالي”! .

بمعنى أكثر صلافة وعنجهية؛ التطبيع مقابل التهجير.

يمكن لإسرائيل أن تعتبر حرب الإبادة في غزة انتصارا، لكن مشروع تهجير الفلسطينيين فشل منذ أن اتخذ الأردن ومصر موقفا واحدا صلبا ضد هذا المشروع، ودعمت جميع الدول العربية هذا الموقف، بما فيها الدول التي تطمح إسرائيل بإقامة علاقات طبيعية معها.

انهيار محور إيران في الإقليم، بما يعنيه من مكاسب استراتيجية لإسرائيل، لا يمكن ربطه بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. ولا ينبغي عربيا قراءة ما حصل لهذا المحور في سياق الهزيمة للمشروع الوطني الفلسطيني.

لقد حققت إسرائيل انتصارات ساحقة في تاريخ هذا الصراع الممتد لعقود طويلة، فأوقعت النكبة ثم النكسة، ومن بعد مواجهات وحروبا متفرقة في الداخل الفلسطيني ودول الجوار، لكن ذلك لم يجلب الأمن والاستقرار لإسرائيل، ولم يقنع الفلسطينيين بالقبول بالاحتلال واقعا لا بديل عنه.

الدول المعنية في المنطقة أكثر نضجا وفهما للواقع من منظري الإدارة الأميركية المتعلقين بالمفهوم الأيديولوجي الاسرائيلي . قيادات هذه الدول حتى تلك التي وقعت اتفاقيات إبراهيمية، تعي أن ما تقدم من خطوات تطبيع، وما يمكن أن يأتي لاحقا، لن يغير من الواقع، ما لم يكن هناك مسار حقيقي وملزم يفضي لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

المحاولات الجارية لتفكيك المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، ستفشل، مثلما فشلت مشاريع سابقة، لجعل الدولة الفلسطينية المنشودة مجرد حكم بلدي أو إذا شئنا مدن على هيئة” إمارات” صغيرة. كما أن حشر مليوني فلسطيني في بقعة ضيقة من قطاع غزة، لن يجبرهم على الرحيل إلى أدغال أفريقيا، مثلما يخطط فريق من الإرهابيين في حكومة نتنياهو.

تذكروا أنه وبعد 77 عاما على النكبة، ما يزال أكثر من سبعة ملايين فلسطيني يعيشون على أرض فلسطين التاريخية. خلال هذه السنوات الطويلة، وقعت هزائم عربية وفلسطينية لا تحصى، وجرت مراسم توقيع اتفاقيات سلام وتطبيع غير قليلة، بيد أن الصراع استمر، لا بل وتفجر على نحو غير مسبوق قبل أقل من عامين.

التطبيع لن يحقق السلام. السلام هو الذي يجلب التطبيع، إن كان عادلا ومنصفا للشعب الفلسطيني.

“الغد”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى