"\n"
مقالات

تقييم الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة

د. ليث كمال نصراوين

صدرت الإرادة الملكية السامية بفض الدورة العادية لمجلس الأمة الحالي اعتبارا من هذا اليوم الموافق 18 أيار 2025، حيث تعد هذه الدورة هي الأولى التي يعقدها مجلس النواب العشرون الذي جرى انتخابه في شهر أيلول من عام 2024، وتمت دعوته لعقد دورة عادية بدأت في منتصف شهر تشرين الثاني من العام الماضي لمدة ستة أشهر وفق أحكام الدستور.

فعلى الرغم من أن جلالة الملك كان يملك الخيار الدستوري بتمديد الدورة العادية مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر عملا بأحكام الفقرة (3) من المادة (78) من الدستور، إلا أنه قد اختار فضها. فيكون قراره متوافقا مع القواعد الأصولية في تفسير النصوص الدستورية، والتي تقوم على أساس إعمال القاعدة العامة وعدم اللجوء إلى الاستثناء إلا في أضيق الحدود. فالمشرع الدستوري اشترط لتمديد الدورة العادية أن تكون هناك أعمال لدى مجلس الأمة بحاجة لفترة زمنية إضافية لإنجازها، وهو الأمر غير المتحقق على أرض الواقع.

فالأصل هو احترام الآجال والمواعيد الدستورية للدورات العادية المحددة بستة أشهر فقط، بحيث يتم فضها عند انتهاء تلك المدة الزمنية، ويبقى التمديد هو استثناء على القاعدة العامة يجب عدم التوسع في تفسيره وتطبيقه.

وإذا ما أردنا تقييم الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة، فإنه يمكننا القول إنها قد جاءت تشريعية بامتياز، حيث نجح مجلسا الأعيان والنواب في إقرار العديد من مشاريع القوانين الهامة وتعديلات مقترحة على القائم منها. فأهم ما يميز القوانين التي أقرها مجلس الأمة في دورته العادية الأولى والتي صدرت الإرادة الملكية السامية بالمصادقة عليها تمهيدا لدخولها حيز النفاذ، أنها قد جاءت لتحل محل قوانين قديمة نسبيا، ومثالها قانون التعاونيات الذي حل محل قانون التعاون لعام 1997، قانون الكهرباء العام الجديد الذي حل محل قوانين الكهرب?ء المؤقتة لعامي 1999و2002.

كما أصدر مجلس الأمة قوانين جديدة لأول مرة أهمها قانون اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة وقانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية، وأقر مشاريع قوانين معدلة لتشريعات على درجة عالية من الأهمية كقانون إعادة هيكلة المؤسسات والدوائر حكومية وقانوني الجمارك والعقوبات.

وكالعادة فقد كانت فعالية الوظيفة التشريعية لمجلس النواب العشرين على حساب أدائه الرقابي؛ حيث حافظ النواب الحاليون في الدورة العادية الأولى على النهج النيابي ذاته الذي اتبعه معظم الأعضاء في المجالس السابقة والقائم على أساس ممارسة رقابة برلمانية خجولة على الحكومة. فلا عبرة لعدد الأسئلة والاستجوابات التي كان النواب يتسابقون في توجيهها للحكومة والوزراء فيها، ولا في الصراخ على الميكروفونات أثناء الجلسات النيابية، طالما أن هذه البطولات النيابية بقيت في اطار الكلام.

ويبقى التساؤل الأبرز حول درجة الرضا العام عن أداء مجلس النواب الحالي في دورته العادية الأولى، والذي يعتبر مختلفا عن المجالس السابقة من حيث تشكيله وطبيعة الأعضاء المنتخبين فيه. فهذا المجلس يعد الثمرة الأولى من ثمرات التحديث السياسي الذي كان من أهم مخرجاته أنه قد أعطى الأحزاب السياسية فرصة غير مسبوقة للوصول إلى البرلمان وبعدد كبير من الأعضاء. بالتالي، يكون من حق المراقب الشعبي والسياسي أن يتساءل عما إذا كان الأداء النيابي خلال الدورة الماضية من الناحيتين التشريعية والرقابية محققا للطموحات والرغبات العليا في ?لإصلاح وتطوير آليات العمل النيابي.

إن التقييم العام لأداء مجلس النواب «الحزبي» في دورته العادية الأولى يجب ألا يزيد عن «المقبول”؛ فقد شهدت بعض جلساته نقاشات وحوارات نيابية لم ترق إلى مستوى الطموحات الشعبية، وكانت محط استياء عام من المتابعين فيما يخص طريقة الحوار والكلمات التي تسابق النواب على استعمالها والتي تخرج عن إطار اللغة العربية السليمة.

في المقابل، فإنه يُسجل للمجلس النيابي مواقف إيجابية عديدة أهمها التزام أعضائه بحضور الجلسات وفعالية لجانه البرلمانية، حيث لم تضطر رئاسة المجلس إلى التعامل مع ظاهرة تعمد غياب النواب عن جلسات المجلس أو الخروج منها لإفقادها نصابها الدستوري.

ويجب التذكير بالأحداث الاستثنائية التي رافقت الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة وفي مقدمتها ما كشفت عنه دائرة المخابرات العامة من تورط مجموعة من الأردنيين في التخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية وثبوت انتماء البعض منهم لحزب جبهة العمل الإسلامي، وما استتبع ذلك من قرارات حكومية مصيرية أهمها حظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، واعتبارها جمعية غير مشروعة.

كما تأثر مجلس النواب بصدور أحكام قضائية بإدانة بعض أعضائه بجرائم جنائية، وحالة «الطلاق الحزبي» التي وقعت بين أحد النواب وحزبه السياسي الذي ترشح وفاز عنه في الانتخابات النيابية الأخيرة.

إن هذه الظروف الاستثنائية التي رافقت الدورة العادية الأولى التي تقرر فضها تدعونا إلى عدم التسرع في الحكم على أداء مجلس النواب العشرين الذي لا يزال في السنة الأولى من عمره الدستوري. في المقابل، فهناك واجب حقيقي على الأحزاب السياسية والكتل النيابية بأن تقوم بمراجعة أداء نوابها خلال الأشهر الستة الماضية وتقييمها لصالح بيان نقاط القوة والضعف، بحيث تعمل على تفادي ما حصل معها من مشاكل في الدورات النيابية المقبلة، سواء أكانت دورات استثنائية أو دورات عادية قادمة للمجلس الحالي.

الرأي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى