"\n"
مقالات

خبراء الكهرباء: بين النقد البنّاء وإثارة الشارع

م. عبدالفتاح الدرادكة

يبدو أن البعض اتخذ من الهجوم على قطاع الطاقة والكهرباء وسيلة سهلة لكسب إعجاب العامة وتحصيل الثناء، حتى لو جاء ذلك على حساب الحقيقة والموضوعية. والمفارقة أن بعض هؤلاء المنتقدين يحملون شهادات عليا في الهندسة، بل وكانوا في وقت من الأوقات ضمن فرق التخطيط لأنظمة الكهرباء في الأردن، وأعضاء في لجان وطنية وإقليمية تتابع النظام الكهربائي الأردني، وتلقّوا أجورًا لقاء عملهم لفترات طويلة. بعضهم أيضًا عمل موظفًا في الشركات المعنية ذاتها، وما إن انتهت مهامهم حتى بدأوا بشن حملات شعواء ضد القائمين على النظام، متهمين إياهم بالتقصير وسوء الإدارة.

في مقال حديث لأحدهم، هاجم المسؤولين عن النظام الكهربائي بحجة غياب التخطيط السليم لمواجهة الارتفاع الكبير في الطلب، وأكد أن الوزارة تقيّد المشتركين التجاريين والمنزليين في تركيب أنظمة الطاقة المتجددة. وكتب بأسلوب عاطفي متسائلًا: “لماذا لا يتم تركيب أنظمة متجددة على أسطح المنازل لتمكين المواطنين من التبريد في الحر الشديد أو التدفئة في البرد القارس؟”

لكن مراجعة أداء النظام الكهربائي خلال موجة الحر الأخيرة تُثبت العكس؛ إذ عملت محطات ووحدات التوليد بكامل طاقتها دون أي مشاكل، ولم تشهد الشبكة الوطنية أي انهيار يُذكر رغم قساوة الظروف. فالشبكة الأردنية تتكون من أكثر من 8 آلاف كيلومتر من خطوط النقل عالية الجهد، وما يزيد على 80 محطة تحويل رئيسية، إضافة إلى عشرات الآلاف من محطات التوزيع وشبكات الجهد المتوسط والمنخفض. كل ذلك صمد أمام ظروف استثنائية دون انقطاع شامل، وهو ما يدحض أي تشكيك ويؤكد متانة النظام.

وللأمانة والإنصاف، لا بد من ذكر الحقائق الفنية التالية:

•الاستطاعة التوليدية للنظام الكهربائي الأردني:
•تقليدية: 4400 ميغاواط
•متجددة شمسية: 960 ميغاواط

•متجددة من الرياح: 615 ميغاواط

•أنظمة متجددة على الأسطح أو بالعبور: 1400 ميغاواط

•نسبة الطاقة المتجددة في النظام تبلغ حوالي 27%، وهي الأعلى في المنطقة حتى الآن.

•لا يوجد ما يمنع أي مواطن من التقدّم لتركيب أنظمة طاقة متجددة، والأرقام السابقة خير ردّ على الادعاءات بوجود عراقيل.

كما أشار الكاتب إلى أن التعرفة الكهربائية في الأردن جعلت الكلفة المسائية والليلية أعلى من النهارية، معتبرًا أن ذلك مخالف للمنطق ولما هو معمول به عالميًا. غير أن هذه المعلومة غير دقيقة؛ إذ إن التعرفة الزمنية لم تُطبّق حتى الآن بانتظار استكمال تركيب العدادات الذكية. وحتى عند تطبيقها، فالتعرفة تُقسم اليوم إلى ثلاث فترات (نهارية، مسائية، ليلية)، وليست فترتين فقط. الفترة المسائية (من الرابعة عصرًا حتى التاسعة ليلًا) تُعد ذروة الطلب وانخفاض إنتاج الطاقة الشمسية، ولهذا السبب تكون كلفتها أعلى قليلًا، وهو نظام متعارف عليه عالميًا، وليس خصوصية أردنية.

فأين هو “الخطأ الفادح” في نظام عمل بكامل طاقته خلال موجة حر شديدة وطويلة دون أي انقطاع على الشبكة الوطنية، باستثناء انقطاعات محلية محدودة لدى شركات التوزيع؟

الحقيقة أن بعض من يلقبون أنفسهم “خبراء” لا يسعون إلى النقد البنّاء، بل إلى إثارة الشارع وكسب التفاعل، سواء بسبب جهل فني أو مواقف مسبقة من السياسات الحكومية.

يا سادة، في موضوع الطاقة والنظام الكهربائي، من يخططون ويشرفون على العمل هم أبناء هذا الوطن، يتمتعون بالكفاءة والإخلاص، ويستندون إلى أحدث المرجعيات والخبرات العالمية لضمان أفضل أداء وأعلى موثوقية. والدليل أننا اجتزنا واحدة من أعنف الموجات الحارة دون انقطاعات عامة، في وقت تعاني فيه أنظمة كهربائية في دول أكبر وأكثر ثراء من انقطاعات متكررة.

فلنكف عن جلد الذات، ولنقدّر جهود القائمين على النظام الكهربائي. وإذا وُجد خطأ، فهناك آليات للمحاسبة. لكن الحق يقال: نظامنا الكهربائي اليوم يعمل بكفاءة عالية واعتمادية رفيعة، وهو إنجاز يستحق الإشادة لا التشويه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى