"\n"
مقالات

غزة بعد صفقة الرهائن: الدخول في مرحلة التعقيد الحقيقي

د. عامر السبايلة

مع انتهاء تسليم الرهائن الإسرائيليين الأحياء، تدخل خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة مرحلتها الأكثر تعقيدا، وهي المرحلة التي تكشف حجم التشابكات الحقيقية على الأرض، في مقابل التبسيط الذي طُرحت به الخطة، والتي ركزت أساسا على مشهدية تسليم الرهائن الأحياء بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي عن رؤيته للسلام في الشرق الأوسط.

صحيح أن حركة حماس جُرّدت من أهم أوراقها في ملف الرهائن الأحياء، ولم يتبقَّ لها سوى ورقة الجثث التي يجري البحث عنها حاليا، وهي ورقة يمكن استخدامها لإطالة أمد التفاوض، لكنها غير قادرة على تغيير المعادلة المفروضة في غزة. لذلك، تُحاول حماس أن توظّف مسألة ضبط الأمن وسدّ الفراغ الأمني كورقة ضغط لدفع الأطراف كافة إلى التعامل معها، سواء ضمن إطار حفظ الأمن أو في سياق تسليم إدارة القطاع لأي جهة أخرى.

ومن هنا، تعمل الحركة في مسارين متوازيين: أولهما مواصلة البحث عن الجثث لإبقاء التفاوض مفتوحا، وثانيهما محاولة فرض أمر واقع جديد عبر إطالة أمد المفاوضات والتعديل على آلية تسليم السلاح تدريجيا. والسؤال الأهم هنا: لمن يُسلَّم هذا السلاح؟ فالحركة تُبقي هذا الملف معلّقا كورقة تعطيل تمنع الوصول إلى نقطة الحسم، عبر رفض تسليمه لأي لجنة دولية، وربطه بتحقيق إنجاز سياسي يتمثل في قيام الدولة الفلسطينية، التي يمكن عندها فقط تسليم السلاح.

وكما هو الحال مع حزب الله، تبقى مسألة نزع سلاح الحركة الورقة الأخطر والأكثر حساسية، وهي النقطة التي قد تُدخل الاتفاق في مأزق حقيقي، وتجعل الانتقال إلى المرحلة الثانية مهدَّدا بموجات عنف جديدة قد تتخذ أشكالا مختلفة. فالحل في غزة أصبح مُدوَّلا، وهذا التدويل، وإن لم يمتلك القدرة على فرض نفسه مباشرة، إلا أنه يضيّق هامش المناورة أمام الأطراف المحلية بشكل كبير.

وبالتالي، يبدو فرض الأمن وتأمين القطاع بعد الاتفاق إجراء تكتيكيا أكثر منه واقعا دائما، إذ لا يمكن لهذا الواقع أن يُقنع المجتمع الدولي بالقبول به. بل على العكس، قد يؤدي إلى تعميق احتمالات الصدام الفلسطيني–الفلسطيني، ويعزّز فكرة التدويل عبر وجود قوات دولية تُشرف على العملية الانتقالية، التي تشمل من جهة حفظ الأمن والاستقرار، ومن جهة أخرى نزع سلاح حماس وتقييم احتمالية دمج وتأهيل بعض عناصرها في المرحلة المقبلة.

وفي المقابل، فإن احتفاظ إسرائيل بحق العمل العسكري واستمرارها في توجيه ضربات داخل القطاع، يعني أن الحلول السلمية ما زالت غائبة، وأن الضغط الأميركي في جوهره أنجز لإسرائيل ما لم تُنجزه الحرب نفسها، إذ حرّرها من الضغوط المرتبطة بملف الرهائن الأحياء.

ومع إصرار نتنياهو على نزع سلاح حماس، واعتقاد الحركة بإمكانية استثمار ما تبقى من أوراقها لفرض نفسها في مستقبل غزة، رغم نفيها المتكرر رغبتها في إدارة القطاع، إلا أن سلوكها الميداني والسياسي يشير إلى العكس تماما. فهي تسعى لتأمين موقع لها في ما بعد الاتفاق، سواء من خلال ضبط الأمن الداخلي، أو ربط تسليم السلاح بقيام الدولة الفلسطينية، أو عبر العودة إلى المشهد السياسي بديلا عن المواجهة العسكرية. بكلمات أخرى، تحاول الحركة أن تعوّض ما خسرته في الحرب بمكاسب سياسية.

ومع وصول المفاوضات حول نزع السلاح إلى طريق مسدود، يبدو أن الصراع في غزة دخل مرحلة جديدة، مع تعدد الأطراف المنخرطة فيه، بدءا من القوات الدولية وصولا إلى فصائل وميليشيات فلسطينية متفرقة، ما يُخرج الصراع من إطاره التقليدي بين حماس وإسرائيل، ويفتح الباب أمام اقتتال داخلي فلسطيني.

ومهما اختلفت أشكال الصراع ومساراته، تبقى مساحة المناورة أمام الرؤية الدولية محدودة جدا، إذ إن التوافق الدولي على صيغة لإنهاء الصراع يعني في جوهره إنهاء وجود السلاح والتنظيمات، وهي الفكرة المركزية في رؤية السلام المفروضة أميركيا. المرحلة الانتقالية الراهنة تُشكّل مساحة يستفيد منها الجميع تكتيكيا على المدى القصير، لكن على المدى البعيد، تبدو ملامح الحل النهائي واضحة جدا في صيغتها ومضمونها.

الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى