فلسطينيون من غزة يستعدون لأداء الحج وقلوبهم في القطاع المحاصر

أردني – أتيح لمحمد شحادة أداء مناسك الحج في مكة المكرمة هذا العام، لكنه يؤكد أن هذه الفرصة النادرة تطغى عليها مشاعر القلق على عائلته التي لا تزال في قطاع غزة، تواجه خطر الموت والجوع في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 19 شهرا.
حصل شحادة، وهو مهندس يبلغ 38 عاما، على تصريح مغادرة من قطاع غزة إلى مصر لتلقي علاج لمرض السرطان الذي كان مصابا به، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلية رفضت إعطاء تصاريح لأفراد أسرته لمرافقته.
ويروي أن مغادرته قطاع غزة في شباط وفرت له “فرصة لا تعوّض تأتي مرة في العمر”، هي المشاركة في مناسك الحج.
لكن حتى خلال زيارته الأماكن المقدسة في مكة المكرمة، كان قلبه مثقلا إذ كان يفكر طوال الوقت بزوجته وأطفاله الأربعة العالقين في قطاع غزة تحت قصف الاحتلال المتواصل.
ويضيف لوكالة فرانس برس على الطريق المؤدي إلى المسجد الحرام “هذه أكبر معاناة في كل الوجود… أن تكون بعيدا عن عائلتك”.
وشحادة واحد من مئات من سكان غزة الذين يستعدون لأداء مناسك الحج إلى جانب أكثر من مليون حاج من كل أنحاء العالم.
ويقول إنه كان يصلي طوال الوقت من أجل أن تنتهي الحرب في غزة وأن يجتمع مجددا مع عائلته.
ويتابع “حتى لو كنت في أحسن مكان في الدنيا وأنت بعيد عن عائلتك فلن تكون سعيدا. هنا في الحج هناك تفاصيل كثيرة يصعب على المرء أن يتحدث عنها. ولو فعل ستخونه الدموع”.
– “بين نارين” –
بدأ الاحتلال الإسرائيلي حربا على غزة منذ شنّت حركة حماس هجوما “غير مسبوق” على أراض فلسطينية تحتلها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولم توقف هجماتها إلا خلال هدنتين لم تستمرا طويلا.
وأصبحت مغادرة غزة أمرا مستحيلا عمليا بالنسبة إلى معظم سكان القطاع، لكن بعضهم، مثل شحادة، تم إجلاؤهم لأسباب طبية.
وغادر شحادة قطاع غزة خلال هدنة، لكن إسرائيل استأنفت مذاك حملة القصف المكثف ومنعت إيصال المساعدات، فيما تحذّر الأمم المتحدة من انتشار المجاعة على نطاق واسع.
ويقول “عندما خرجت من غزة كنت بين نارين”، متحدثا عن اختياره السفر للخضوع لعملية جراحية من شأنها أن تنقذ حياته.
وأدى هجوم حماس إلى مقتل 1218 شخصا في الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين، في حين أدى العدوان الإسرائيلي إلى استشهاد أكثر من 54 ألف فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة “إنهم قريبون جدا” من اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة، لكن المفاوضات تبدو حتى الآن متعثرة.
وبعد أكثر من عام ونصف عام من المحادثات غير المثمرة، يقول شحادة إنه أصبح “خائفا من التفاؤل” بشأن هدنة جديدة كي لا يصاب بخيبة أمل.
– صلوات من أجل السلام –
سيشارك قرابة 1350 حاجا من سكان غزة معظمهم يقيم في مصر، بالإضافة إلى 500 آخرين تمت دعوتهم كضيوف من جانب ملك السعودية، في مناسك الحج هذا العام، وفق ما أفاد مسؤولون فلسطينيون.
وبين هؤلاء رجائي راجح الكحلوت (48 عاما) الذي تمكّن من الهرب إلى مصر مع أطفاله الأربعة وزوجته بعد سبعة أشهر من اندلاع الحرب.
ورغم أن الحج عادة ما يكون مصدرا للسكينة، يقرّ الكحلوت باستحالة أن يهنأ له بال طالما أن عائلته الكبيرة ما زالت في دائرة الخطر بالقطاع.
ويصرح لوكالة فرانس برس “أخواتي وأخوتي كلهم ما زالوا في غزة وقلبي عليهم وقلبي معهم”، مضيفا “أناشد كل الحجاج وكل الناس أن يدعوا لأهل غزة من أجل انتهاء هذه الحرب”.
ويضيف “كنا نتمنى أن نأتي إلى هنا في وضع أفضل، بلا حرب ولا موت ولا دمار”.
في بهو فندق النزهة بلس حيث ينزل الحجاج من سكان غزة، تقول امرأة في الستينات لوكالة فرانس برس أنها لم تر أولادها العشرة منذ إجلائها من القطاع لأسباب طبية العام الماضي.
وتؤكد أنها تصلي “من أجل أولاد فلسطين” الذين يعانون أهوال “المجاعة” والحرب.
وتختم “أفكاري في غزة، وحياتي كلها هناك: أولادي وبيتي… أتمنى أن أرجع” إليها.