"\n"
مقالات

كيف يبدو حالنا في ذكرى الاستقلال؟

فهد الخيطان

ما الذي يعنيه الاستقلال بالنسبة لدولة مثل الأردن؟

القرن الذي انقضى من عمر بلدنا، علمنا الكثير، والأحداث التي شهدتها العقود الطويلة الماضية، تركت بصماتها الواضحة على رؤيتنا لمعنى ومفهوم الاستقلال والسيادة. وبالنتيجة صار الاستقلال بالنسبة لنا مقترنا بالبقاء؛ بقاء الدولة، الهوية والكيان السياسي كما انتهت إليه حدوده الجغرافية.

لهذا دائما ما تكون ذكرى الاستقلال مناسبة لإثبات الذات والوجود، وكأننا كشعب ودولة نخوض تحديا مع تهديد مجهول. من هنا ارتبط مفهوم الاستقلال عند الأردنيين بالاستقرار.

اكتسب هذا الفهم أهمية استثنائية في العقدين الأخيرين، بعد أن تعرضت المنطقة العربية لعاصفة من المتغيرات السياسية، أطاحت بدول وأنظمة، وها نحن في النصف الثاني من عقد جديد نعيش تحديا جديدا، بعد التبدلات الهائلة التي أصابت المنطقة إثر أحداث السابع من أكتوبر لعام 2023.

هذا العام على وجه التحديد واجهنا لحظة عصيبة، كانت فيما مضى تهديدا بعيدا أو هكذا ظننا. أعني إعلان رئيس الولايات المتحدة الأميركية نيته تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن.

شعرنا بهذا الخطر منذ اليوم التالي لما عرف بطوفان الأقصى، لكن لم نتصور أنه سيتحول لمشروع سياسي تتبناه أعظم قوة في العالم. وزاد من خطورة الموقف، سلوك حكومة نتنياهو المتطرفة في الضفة الغربية، وسعيه لضم معظم أراضيها، وهذا الخطر بالطبع ما يزال ماثلا وقائما حتى يومنا هذا،لا بل تحول لخطط قيد التنفيذ.

تلك التطورات، على ما خلفته من قلق رسمي وشعبي واسع، إلا أنها كانت مناسبة جديدة لاختبار قيمة الاستقرار والبقاء في منطقة تموج بالتحولات الجارفة، وهي ما تزال مفتوحة على تغيرات قادمة.

ومكمن الخطورة هنا، أن أحداث السابع من أكتوبر، أطلقت العنان لليمين الأشد تطرفا ووحشية في إسرائيل، لتنفيذ مخططه في تغيير شكل الشرق الأوسط فعليا، كما لم يتوقع أحد، بهذه السرعة والفعالية.

وفي هذا العام أيضا، وعلى وقع تلك الأحداث، واجهنا اختبارا داخليا، أضاف لمعنى الاستقرار بعدا أكثر عمقا وتأثيرا في حياتنا المباشرة، عندما تكشف المخطط “الإخواني” لبناء وتأسيس تنظيم مسلح، يريد أن يجعل من الأردن ساحة لعملياته العسكرية.

الموقع الجيوسياسي لبلدنا لم يترك لنا دائما حرية الاختيار، كنا دائما نضطر لدخول اختبارات الاستقرار والبقاء. قبل أن تعصف بمنطقتنا كل تلك الأحداث، كان خيارنا الحر المضي في مسيرة تحديث شامل، اجتزنا مرحلتها الأولى باجراء أول انتخابات نيابية على أساس حزبي، وشرعت مؤسسات الدولة في العمل على تنفيذ خطط للتحديث الاقتصادي والإداري. وأملنا من وراء ذلك أن نكون أكثر منعة واعتمادا على الذات، وأن يكون اقتصادنا أكثر تفاعلا مع الاقتصاد العالمي، بما يحقق الازدهار للأردنيين.

لكن عواصف الإقليم لم تتركنا نمضي بسهولة، فجاءت لتذكرنا بما نحن فيه من أخطار فرضتها حقائق الجغرافيا والسياسة.

في ذكرى الاستقلال هذا العام، نواجه مخاطر أكبر من تلك التي مرت في سنوات مضت، وأسئلة أكثر حيرة من أسئلة الماضي. لكننا في ذات الوقت أكثر ثقة بقدرتنا على البقاء وصيانة الاستقرار، والتطلع إلى الأمام.

لن تكون سنواتنا القادمة سهلة، وقد تحل ذكرى الاستقلال الـ80 ونحن في مواجهة تهديدات أكثر تعقيدا، لكن ذلك لن يمنعنا من الرهان على قدراتنا بالصمود والبقاء. كان هذا قدرنا لأكثر من قرن مضى.

الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى