مسألة حديث الرئيس ترامب عن تهجير أهل قطاع غزة إلى مصر والأردن باعتباره الحل العملي لإعادة إعمار غزة يعكس توجهاً ينطوي على مخاطر كبيرة. فهذا الطرح لا يكتفي بتجاهل التعقيدات الجوهرية للقضية، بدءاً من قبول أهل غزة بخيار التهجير، وصولاً إلى القدرة العملية على نقل السكان إلى أماكن جديدة وافتراض موافقة جميع الأطراف المعنية، بل يكشف عن أن التهجير يمثل الخيار الأول في ذهنية الرئيس الأميركي الذي ستتعامل معه المنطقة لسنوات قادمة.
ومع ذلك، لا بد من التذكير أننا نتعامل مع إدارة ترامب في أسابيعها الأولى. الرئيس، الساعي إلى تقديم نفسه كقائد قوي وحاسم قادر على فرض حلول حتى لو بدت قسرية، قد يواجه لاحقاً تعقيدات حقيقية لمسائل تبدو على السطح سهلة التطبيق، بينما تكمن الصعوبة في تحويل هذه الرؤى النظرية إلى واقع عملي.
صحيح أننا نعيش مرحلة غير مسبوقة؛ فما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله. قطاع غزة اليوم يواجه دماراً غير مسبوق، والرهان الإسرائيلي على تعظيم الكارثة الإنسانية قد يدفع سكان غزة إلى مرحلة يصبح فيها التعايش مع هذا الواقع شبه مستحيل. وهذا الأمر يتزامن مع صعوبة إيجاد حلول واقعية لإعادة الإعمار أو حتى تنفيذ عمليات إغاثة إنسانية تواكب حجم الكارثة.
الرؤية الإسرائيلية، تركز على تحقيق عملية التفريغ الديموغرافي في غزة وإعادة رسم خريطتها. هذه الرؤية تبدو قابلة لتحقيق بعض أهدافها في حال استمرت الأزمة وتعاظمت الكارثة الإنسانية. ولكن اللافت أن إدراج الأردن كخيار في هذا الطرح قد يهدف من زاوية أخرى لجعل الأردن أيضاً الخيار البديل في حال تطبيق نظرية التهجير على أراضي الضفة الغربية.
هذا ما تعمل عليه إسرائيل فعلياً؛ إذ تُركز على إعادة رسم جغرافية الضفة الغربية من خلال تفكيك التجمعات السكانية الكثيفة مثل مخيمات جنين ونابلس وطولكرم، وهو هدف إستراتيجي تتفق معه إدارة ترامب في إطار رؤيتها لفكرة “يهودا والسامرة”.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن كلاً من مصر والأردن لم يحصلا حتى الآن على فرصة كافية للتحدث مباشرة مع الإدارة الأميركية لطرح البدائل وشرح المخاوف والمخاطر الأمنية، الاقتصادية، والسياسية التي قد تنجم عن هذه الطروحات.
الاستراتيجية الأردنية لا بد أن تتركز على التحذير وطرح البديل، باعتبار أن هذه الخطوات يمكن أن تشكل هزات حقيقية تنعكس أيضاً على مصالح شريك أساسي مثل الولايات المتحدة. التركيز على البعد الاقتصادي ضمن تفعيل الجغرافية الأردنية إقليمياً، من خلال مشاريع الطاقة الكبرى ومشاريع التنمية وربط المنطقة، وإعادة إعمار سورية، كلها يمكن أن تؤسس لرؤية مختلفة تأخذ بعين الاعتبار حجم الاستفادة الأميركية في ملفات متعددة وعلى جبهات مختلفة. هذه تمثل أوراق الأردن الأمنية والاقتصادية التي يمكن فعلياً استخدامها لبناء فكرة الطرح البديل.
باختصار، مواجهة طوفان ترامب القادم تتطلب العمل على فهم الرؤية الأميركية والتعامل معها بذكاء، بعيداً عن الصدام المباشر.
الأردن يحتاج أيضاً لتحصين موقفه بدعم عربي قوي. والأهم قد يكون رفع مستوى العلاقة الإستراتيجية مع السعودية باعتبارها اللاعب الأبرز في المرحلة الحالية والمقبلة، والثقل الذي سيركز عليه ترامب في أبعاده الاقتصادية وحتى السياسية المرتبطة بموضوع السلام الإقليمي.
مع ذلك، فإن زيارة نتنياهو إلى واشنطن قد تحمل معها جولة ثانية من التصعيد في المنطقة. ملف الهدنة في غزة لم يحسم بعد، وتصعيد الضفة الغربية وحتى ملف لبنان. لكن الانتقال الإسرائيلي إلى الجبهات الأبعد في إطار العمل للوصول إلى إيران يعني تصعيداً متوقعاً يمتد من العراق إلى إيران، مما قد يؤدي إلى خطر فرض مسألة التهجير بحكم الأمر الواقع إنسانياً في حال عودة التصعيد إلى غزة وارتفاع وتيرته في الضفة الغربية.
الغد