"\n"
مقالات

معاناة المرور وثقافة احترام القانون

م. عبدالفتاح الدرادكة

إن ثقافة المرور في الأردن – مع الأسف – ما تزال تعاني من طابع همجي يسيطر على سلوك شريحة ليست بالقليلة من السائقين. ولا أعمّم هنا، فالكثيرون يلتزمون بالقوانين ويحترمون النظام، لكنّ المخالفين قلةٌ قادرة على ان تؤثر على الأغلبية، فتتسبب في فوضى وتأخير، وربما في حوادث مأساوية كان يمكن تجنّبها لو ساد احترام بسيط للقواعد والأعراف.

لقد تحدثنا مرارًا عن آفة التجاوز غير المشروع وعدم احترام الصفوف الطويلة من السيارات. يقف العشرات وربما المئات بصبر، بينما يخرج أحدهم او مجموعة من السيارات او حافلات الاجرة من صفّهم، فيتجاوزون الجميع وكأن على رأسهم “ريشة” تخوّلهم أن يضربوا عرض الحائط الأخلاق والقيم التي تربينا عليها. مثل هذه الممارسات لا تنم عن ذكاء ولا “شطارة”، بل هي قمة الهمجية التي تعكس أزمة عميقة في ثقافة احترام القانون.

وما ذنب مئات السائقين حين يقرر أحد المتهورين أن يقود بسرعة جنونية؟ كثيرًا ما نسمع عن سيارات فقدت توازنها فاصطدمت بأخرى أو ارتطمت بعمود كهرباء أو بالحواجز الوسطية. والنتيجة: وفيات أو إصابات خطيرة، وخسائر بشرية ومادية لا تُقدّر بثمن. واذا كان اثر الحادث يتسبب في وفيات او اصابات لاطراف الحادث فإن هناك اثرا على المارين من الشارع الذي حصل فيه الحادث وهو تعطيل حركة المرور وتأخير مئات السيارات الأخرى، بما يترتب عليه من خسائر اقتصادية غير منظورة قد تصل إلى عشرات الآلاف من الدنانير نتيجة السير البطيء واستهلاك وقود اكثر وتعطل الناس عن أعمالهم أو ضياع صفقات أو مواعيد مهمة.

ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ فهناك سلوكيات أخرى تكشف عن لا مبالاة مستفزة، مثل التجاوز عن اليمين وهي حركة محفوفة بالمخاطر لسبب ان التجاوز يفترض ان يكون قانونيا عن الشمال في طرقنا والتي معظمها بمسربين فقط والتجاوز عن اليمين يعني السير على أطاريف الشارع . مثل هذه التصرفات لا تعرّض الآخرين للخطر فحسب، بل تثير غضب السائقين الذين يلتزمون بالمسار الصحيح. والأسوأ حين تكون الطرق غير معبدة جيدًا، فتتناثر الأتربة بكثافة على السيارات المجاورة – بعضها قد خرج من غسيله للتو – والبعض الاخر قد يحجب الغبار الرؤية مما قد يتسبب في حوادث ،وكأن المتهور لا يرى أنه يزعج غيره ويؤذيهم. هنا يبرز السؤال: أليس من المفترض أن تكون هناك عقوبات واضحة ورادعة لهذا السلوك؟

لقد تعلّمنا – ويا للأسف – أن نخاف من القانون أكثر مما نحترمه. بينما في المجتمعات المتقدمة نجد أن احترام القانون جزء من الثقافة والتربية المنزلية والمدرسية. الطفل هناك ينشأ على أن احترام القانون قيمة أخلاقية لا تقبل المساومة، بينما بعضنا يفسّر الهمجية على أنها شطارة، ويردد بسطحية: “فلان شاطر، تجاوز الزحام ووفر خمس دقائق!”، غير مدرك أن هذه “الدقائق” تُزرع في نفوس الناشئة كشرعنة للفوضى والاستهتار.

إن المطلوب من إدارات السير والمرور ليس فقط تغليظ العقوبات – وإن كان ذلك ضروريًا – بل الأهم هو المراقبة الفاعلة وعدم التهاون في تطبيق القانون، جنبًا إلى جنب مع جهود توعوية تزرع ثقافة احترام القانون منذ الصغر. فالردع مطلوب، لكنه وحده لا يكفي؛ إذ لا بد من بناء وعي اجتماعي يرى في الالتزام المروري قيمة حضارية، لا خوفًا من الغرامة أو الشرطي، بل احترامًا للنفس والآخرين.

فإذا أردنا أن يتحول المرور من فوضى وقلق وتأخير، إلى تجربة آمنة ومنظمة، فعلينا أن نبدأ من البيت والمدرسة، وأن نكفّ عن تمجيد الفوضى تحت شعار “الشطارة”، وأن نعيد الاعتبار للقيم التي تجعلنا نحيا بكرامة على الطريق كما في باقي مجالات الحياة.

والله من وراء القصد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى