هؤلاء المقاتلون الأجانب مع هيئة تحرير الشام
لا يُخفي قادة الهيئة في حديثهم مع المسؤولين العرب التزامهم الأخلاقي مع الذين ساندوا الهيئة والشعب السوري في التخلّص من النظام السابق، فهم لا يستطيعون اليوم التضحية بهم بدعوى الموقف الغربي والعربي. ولعلّ بعض الدول العربية، مثل الأردن وقطر، تتفهّم موقف الهيئة، لكن ذلك لا ينفي التفكير في حل استراتيجي يرضي الداخل والخارج، ويجري الحديث هنا منحهم الجنسية السورية، وتوطينهم، لمن يرغب منهم في ذلك، أما من يرفضون، فيمكن أن يطلب منهم الرحيل والمغادرة أو إيجاد مكانٍ آخر لهم.
بالطبع، قد يثير مثل هذا السيناريو مخاوف داخلية سورية، لكن من الضروري التوضيح هنا أنّنا لا نتحدث عن عدد كبير (بالمناسبة) من المقاتلين الأجانب المتبقين مع هيئة تحرير الشام، فهنالك الحزب الإسلامي التركستاني (ITP)، وغالبّيته من المسلمين الصينيين الأوغور، وعددهم المتوقع قرابة 3800، وفقاً لتقارير أمنية غربية، ويقيمون بالقرب من إدلب، بخاصة في منطقة جسر الشغور، ومعهم عائلاتهم، ويعتبرون القتال في سورية بمثابة مرحلة مؤقتة أو عابرة إلى حين العودة إلى مناطقهم والقتال ضد الصينيين. لذلك من المتوقّع أن غالبيتهم ستفضّل الانتقال إلى ساحات قتال أخرى، مثل أفغانستان وربما أوكرانيا أو غيرها.
الجهات الأخرى محدودة العدد، ففي داخل الهيئة لم يتبق إلا القليل جداً، بعدما انفصلت أغلب المجموعات القادمة من الخارج، بخاصة الأردنيون الذين كان لهم دور في تشكيل تنظيم حرّاس الدين، وهو تنظيم محدود وضعيف، وقد قتل عدد كبير من قادته، بينما الآخرون تحت الإقامة الجبرية من الهيئة، وهنالك من تبقوا من تنظيم المهاجرين والأنصار، الذي أسّسه أبو عمر الشيشاني، وانقسم التنظيم على نفسه مع انضمام الشيشاني إلى تنظيم داعش مع مجموعة كبيرة (قبل أن يُقتل في العراق)، وما تبقى اندمج مع الحزب الإسلامي التركستاني، وأصبحوا وحدة قتالية صغيرة فيه، وهنالك أيضاً كتيبة البلقان المكونة من مقاتلين من أوروبا والبلقان، والعدد كذلك قليل، إذ تفيد تقديرات بأنّهم لا يتجاوزون 200-300 مقاتل في أحسن الأحوال.
يبدو تطبيق نموذج البوسنة الحل الأمثل لهذه الفئات؛ لكن ضمن إطار عملي توافقي سوري وإقليمي، مثل أن يكون هنالك نزع سلاح الفئات التي ترغب في الاستقرار في سورية، وأخذ الجنسية هناك، وإدماجهم ضمن المجتمع السوري، وهنالك شريحة منهم تزوّجت من سوريات وأنجبت هناك، وأن يكون هناك برنامج فاعل في مكافحة الإرهاب والتطرّف يتولّى الإشراف على هذه العملية والتدقيق في مجرياتها، وكذلك دور توجيهي لمؤسّسات حقوقية وإنسانية ومجتمع مدني داخلي وخارجي.
الحالة الراهنة في سورية حسّاسة وحرجة، والإدارة الانتقالية اليوم تحتاج إلى الموازنة الدقيقة بين الاعتبارات الداخلية المعقّدة والاعتبارات الخارجية، الإقليمية والدولية، لأنّ رفع العقوبات وإعادة الإعمار وبناء سورية تفرض هذه المعادلة. وإلّا فإنّ البديل هو الدخول في حرب بالوكالة مرّة أخرى وصراع أهلي وربما التقسيم، بدعم من دول إقليمية، بخاصة إسرائيل التي يتحدّث بعض قادتها علناً عن التقسيم! ومثل هذه التعقيدات لا تجعل القيادة الجديدة في وضع مريح في التعامل مع الأطراف الداخلية والخارجية، وتضطر، في أحيانٍ كثيرة، إلى قبول متطلباتٍ لا ترغب فيها، ما يشيع حالة من خيبة الأمل لدى مراقبين كثيرين متفائلين بأن تكون سورية مفتاحاً لموجة جديدة من الربيع العربي، من دون إدراك حجم الضغوط والمخاطر والتحدّيات التي تمرّ بها سورية في المرحلة الراهنة.