هل تأخرت زيارة الوزير إلى دمشق؟
لم تتأخر زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى دمشق كثيرا، هذا على الرغم من تسابق مسؤولين عرب وأجانب لزيارة سورية من الأتراك مرورا بالقطريين وصولا إلى الأميركيين.
كانت أصوات كثيرة في الأردن تفترض أن تأتي هذه الزيارة بشكل مبكر، إذ سقط النظام السوري في السابع من كانون الأول، ومضى أكثر من أسبوعين، لكن التأخر في الزيارة كان مرتبطا بعدة أسباب، أبرزها الترقب لما سيكون عليه الوضع الأمني في سورية، وثانيا انتظار تقييمات إقليمية ودولية لطبيعة النظام الجديد، وثالثا ما يرتبط برسائل دمشق الجديدة لدول الجوار سرا أو علنا، ورابعا أن تحرك الأردن في دمشق ليس معزولا عن حزمة حلفاء وليس منفردا أبدا.
في كل الأحوال تمت الزيارة، والأردن كسر مخاوفه بشكل أولي وليس نهائيا حول عدة قضايا يريد التأسيس لحلول لها مع السوريين، أولها ملف الأشقاء السوريين في الأردن وعودتهم، وثانيها ما يرتبط ببنية النظام وإذا ما كان وكيلا لتركيا، بعد أن كان النظام السابق وكيلا لإيران وما يعنيه ذلك على أمن المنطقة، وثالثها علاقة الأردن الاقتصادية وملف الشراكة التجارية والإعمار، ورابعها حساسيات النموذج السياسي الذي سيتبناه الحكم الجديد، وإذا ما كان ليبراليا أو مدنيا، أو على أساس التنوع بعد إجراء الانتخابات، أو أقرب إلى الإخوان المسلمين، أو قد يتأثر أيضا بالنصرة والقاعدة وداعش، وموقفه من وجود جماعات دينية متشددة ترفض الصورة التي ظهر بها النظام وتريد دولة إسلامية بكل ما تعنيه الكلمة، وخامسها ما يتعلق أيضا بملفات الجنوب السوري، ودخول إسرائيل، وسيطرتها على قرى ومسطحات مائية في جبل الشيخ ومناطق جنوب سورية، بما يهدد الأردن وسورية معا، وسادسها ما يرتبط أمنيا بوجود آلاف المقاتلين الأردنيين في سورية مع الفصائل الحالية، ممن كانوا مع تنظيم النصرة ورفض الأردن عودتهم سابقا، وأصبح لهم عائلات في سورية، وهناك أصوات في سورية تطالب بتجنيسهم بالجنسية السورية، إضافة إلى قيادات أردنية متشددة يتردد معلومات حولها أن بعضها قيد الإقامة الجبرية في إدلب بسبب ما يقال عن اعتراضه على النسخة المحسنة والمعدلة التي تظهر بها القيادة السورية الحالية، على عكس الذي كان متفقا عليه في وقت سابق، من تأسيس نموذج إسلامي، وهي نسخة معدلة من أجل الحصول على الاعتراف الإقليمي والدولي، بدلا من استعداء مراكز القوى الدولية المستنيرة، التي تنشغل فقط بحق السوريين بشرب الكحول والتعري والمثلية، وتتناسى الدم، وإعادة الإعمار، وديون سورية.
لا تكفي زيارة الوزير لبحث كل هذه الملفات، ويمكن توصيفها بزيارة “حسن نوايا” متبادلة، وعلى الأرجح تقييمات الأردن للزيارة سيتم نقلها لأطراف عربية ودولية، تريد كلها في حزمة واحدة منع إقامة دولة متشددة في سورية، والتخفيف من النفوذ التركي في سورية، هذا في الوقت الذي يحتاج فيه النظام السوري الجديد إلى مساعدة الأردن على مستويات مختلفة، وفي ملفات مثل رفع العقوبات أي عقوبات قيصر، والبدء بعملية إعمار، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية وحالة التمدد القائمة، وفتح نوافذ للنظام الجديد مع بقية الدول العربية الحذرة من الاقتراب من دمشق الجديدة، لاعتبارات مختلفة، وما يتعلق أيضا بحاجة السوريين إلى دعم سياسي، وتعزيز عملية الانتقال السياسي، وإجراء انتخابات سريعة، وهي انتخابات قد يكون النظام الجديد حذرا في عقدها كونها ستخفف من مركزية النظام وستأتيه بألوان سياسية تشاركه سلطته وتمنع تفرده، وإقامة نموذجه الخاص، هذا في الوقت الذي تريد أطراف عربية ودولية منع استفراده بالسلطة، وإدخال شركاء سياسيين من خلال ما يسمى الانتخابات والانتقال السياسي.
أن تتم الزيارة فهذا أمر جيد، فلا يجوز ترك سورية وحيدة، ومبادرتها بالحذر والقلق والشروط، وإذا كانت زيارة الوزير استكشافية، ودليلا على حسن النوايا، فإن النظام الجديد أيضا يستكشف نوايا جواره أيضا، ويقدم الأدلة على حسن النوايا، بما يعني أن المنطق يقول إن المرحلة المقبلة ستشهد زيارة وفود أردنية سياسية وفنية لبحث ملفات تفصيلية، إذا تركت أطراف كثيرة إقليمية ودولية سورية في حالها، وأحوالها، ولم تتدخل مباشرة، أو عبر مكونات سياسية تابعة لها.
يبقى السؤال: هل نقل الوزير أي رسائل عربية أو إقليمية إلى دمشق الجديدة؟ والإجابة غائبة، حتى نستبصر غوامض الغيب.
الغد