مقالات

هي الحرب بصيغتها الجديدة

مالك العثامنة

في زمن ثورة تكنولوجيا المعلومات، لم يعد هناك مكان ولا معنى أساسا لطبول الحرب. كانت تلك الطبول يقرعها حاملوها في العصور الغابرة القديمة جدا في مقدمة الجيوش إعلانا للحرب والهجوم ولتحفيز الجيوش.

وجودهم منطقي في عصر قمة التكنولوجيا فيه كانت عربات خيول بعجال كبيرة ومشاة بالآلاف يلقون مصيرهم من أجل أمجاد القائد الكبير.

اليوم، الحروب لها شكل مختلف لكن تبقى نهاياتها دموية ومأساوية، فالصواريخ الموجهة والذكية والطائرات المسيرة والملغومة قادرة خلال دقائق على إبادة كمية من البشر كانت إبادتهم تتطلب كتيبة من المشاة في الجيوش القديمة.

لذا، حين يقولون إن الحرب على الأبواب في الشرق الأوسط، فإن العبارة خالية من المنطق. فالحرب بدأت فعليا، وتحديد خط بدايتها خاضع للجدل، وهل هي حرب الجبهات المفتوحة في كل مكان في الإقليم؟

في ظل ثورة البشرية في تكنولوجيا المعلومات والثورة التقنية وعصر النانو وعالم السايبر والأمن السيبراني فإن الحروب لا طبول تسبقها ولا ضجيج قذائف ولا صوت رصاص يميزها، ربما انفجار صامت لا يكاد يتجاوز صوته محيط المكان المستهدف فيبدأ الحرب أو ينهيها، الحرب صارت اليوم مهمات مجزأة كل مهمة فيها انتصار وهزيمة، والفوز النهائي بعدد النقاط أو ضربة قاضية واحدة.

التحضير لتلك الحروب معقد، ويتطلب ذكاء في معالجة المعلومات التي يصبح الحصول عليها عملية شاقة في ظل عالم من المعلومات المضللة، البحث عن معلومة صحيحة يشبه فعليا ما قالوه قديما عن إعجاز البحث عن إبرة صغيرة في كومة قش بحجم اسطبل.

وتلك الحروب الجديدة لها أهدافها السياسية، أهداف سياسية يلتقي عليها سرا فريق من المتخاصمين أنفسهم للوصول إلى تسويات سياسية تنهي الأزمات كما يفترضون.
التسويات تلك مهمة وضرورية في عالم يعيد تشكيل نفسه وفي علاقات دولية تحاول التكيف مع معطيات هذا العالم الجديد، وتتماهى مع مصالح ضخمة هدفها أن تتحقق وتحقق الوفرة والثروة وأسواق جديدة لها قواعد سوق جديدة.

كل ما سبق ذكره أعلاه، يعني أن التطرف ومن يحملون أفكار الماضي في عالم الأمس يجب أن يغيبوا عن عالم اليوم، والحروب الجديدة هي تسويات مسبقة لتسويات نهائية لاحقة، لترتيب عالم من العلاقات الدولية والإقليمية الجديدة التي لا تحتمل أبجديات سابقة.

حاليا، نحن في كل هذه الفوضى التي نشهدها إنما نشهد إرهاصات حضور عالم جديد مختلف يبحث عن تسوياته وعلاقاته ومفرداته الجديدة، والصراع بين القوى كلها ليس أكثر من تصفيات نهائية سيخرج بالضرورة منها من لا يستطيع التكيف مع كل هذا الجديد الذي يفرض نفسه بقوة المعرفة والتكنولوجيا والرؤية التي لا تستطيع حمل أي إرث قديم.
الأسلحة خطيرة وفتاكة، لكنها دقيقة ومؤثرة، والحرب ليست على الأبواب ولا على وشك أن تقع، بل نحن فيها على مستوى شمولي، وهي ليست نيران وقذائف وحسب، بل أيضا اقتصادية وسياسية واجتماعية وتعليمية.

الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى