وزارة الثقافة تحتفل باليوم العالمي للغة العربية

أردني – نظمت وزارة الثقافة، اليوم الأحد، في مقرها، ندوة علمية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف في 18 كانون الأول من كل عام، وحملت عنوان: “مستقبل اللغة العربية في ضوء تنامي تقنيات الذكاء الاصطناعي”.
وقال وزير الثقافة، مصطفى الرواشدة، إن اللغة العربية من أقدم اللغات الحية، وتعد واحدة من بين خمس لغات عالمية الأكثر انتشارا، وتحوز على أكثر من 12 مليون مفردة.
ونوه بأن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي خازنة للتاريخ والمعرفة، وتعبر عن لسان العرب وتمثل مرآة تعكس هويتهم، وبأنها تمتاز بالجمال والبلاغة والفصاحة، وتعبيراتها الدقيقة، وخصائصها البلاغية والمجازية، وواحدة من اللغات
الحية التي تمتاز بقدرتها الاشتقاقية، وقدرتها على استيعاب معطيات التطور التقني، ومواكبة لغة العصر ولغة العلم، وتُستخدم كلغة رسمية في الأمم المتحدة.
وفي الندوة التي حضرها أمين عام الوزارة الدكتور نضال الأحمد وشارك فيها أستاذ اللسانيات الحديثة في الجامعة الأردنية الدكتور عبدالله العنبر، والأستاذ في كلية الهندسة بالجامعة الأردنية الدكتور محمد زكي خضر، وعضو مجمع اللغة العربية الباحث في حوسبة اللغة العربية مأمون حطاب، وأدارها مدير مديرية الدراسات والنشر في الوزارة الدكتور سالم الدهام، نوّه الرواشدة بأن اللغة العربية مثلت الوعاء المهم لحمل رسالة الإسلام السماوية والدعوة المحمدية لسائر البشرية.
ولفت في الندوة، التي حضرها عدد من المثقفين والكتاب ومسؤولي الوزارة، إلى أنها شكلت كذلك وعاءً للشعر العربي الذي جمع قيم العرب وعاداتهم ومعارفهم، حتى سمي ديوان العرب، فهي لغة البيان، والطباق، والكنايات، والاستعارات.
وأشار الرواشدة إلى مساهمة اللغة العربية تاريخيا في حفظ الكنوز العالمية والإنسانية من خلال ترجمة العلوم الإنسانية ومعارف العالم وفلسفته
إبان حركة الترجمة في عهد الدولة العباسية، مثلما أضافت إلى المعرفة العالمية من خلال إسهامات العلماء العرب والمسلمين في سائر العلوم والمعارف الإنسانية، وسادت لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب.
ولفت إلى أنها أثرَّت تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى، منها: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية، والأوروبية وبخاصةً المتوسطية ومنها: الإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.
وزير الثقافة الذي أكد مقدرة اللغة العربية على التعامل مع التقنيات الحديثة، لفت إلى ضرورة زيادة المحتوى الثقافي العربي في الفضاء الرقمي، مشيرا إلى أن الوزارة أنشئت عددا من المنصات التي من شأنها زيادة المحتوى الثقافي، ومنها: منصة ثقافة، ووثق، وتراثي، وكثير من المنصات التي تتصل بزيادة المحتوى الثقافي الوطني.
ولفت إلى أن أكبر تحدي تواجهه اللغة العربية في زمننا الحالي هو ما يعانيه جيل النشء من ضعف في اللغة العربية والانصراف عنها إلى لغات أجنبية.
وفي مداخلة له أكد الدكتور الأحمد أنه لا أحد يستطيع أن يقف بمعزل عن التطور المتسارع في العالم الرقمي، داعيا إلى ضرورة أن نطوع أعمالنا وأبحاثنا
بما يتناسب مع هذا التطور الهائل والسريع في العالم.
وقال الدكتور العنبر إن اللغة مرتبطة بالهوية وهي القلعة الحصينة التي نلوذ بها حين تجتمع التحديات لنبقى رافعين الهوية الثقافية على الرغم من كل التحديات، مؤكدا أهمية الالتفاف حول هوية الامة ولغتها وهويتها الثقافية.
ولفت إلى القلق العالمي من الجدلية التي تدور حول الحداثة والذكاء الاصطناعي، وإلى ضرورة التخطيط اللغوي واستشراف المستقبل والفكر لحماية اللغة العربية والاهتمام بها في ظل التطورات الرقمية المتسارعة والتخطيط للمشاريع المتعلقة بذلك من خلال العقل الجمعي وهندسة المشهد اللغوي ومواجهة التغول على اللغة العربية.
بدوره، أكد الباحث حطاب أن اللغة لم تعد مرآة للفكر بل صارت في ظل الذكاء الاصطناعي جزءا من آلية التفكير وإعادة تركيبه، لافتا إلى أنه في ظل ذلك لا تكون الأسئلة تقنية بل وجودية في معناها الحضاري.
وقال إن تطويع الذكاء الاصطناعي كان مفهوما معقولا حين كانت التكنولوجيا تُنفذ ولا تَتعلم وتُشغل ولا تَستدل، موضحا أن العالم الآن بإزاء نماذج لغوية ذكية تتعلم اللغة وتعيد إنتاجها وتسهم بدرجات متفاوتة في صياغة المعنى وترتيب المقبول وتشكيل أفق التفكير العام، وأن الحديث عن التطويع هو حديث عن مرحلة تاريخية انقضت.
وأضاف أن النموذج اللغوي لم يعد وسيطا محايدا، بل غدا عقلا اصطناعيا يعمل في صميم العلاقة بين اللفظ والمعنى، وبين اللغة والفكر، ومن لا يملك العقل لا يملك سلطة إعادة تدريبه ولا قدرة تصحيح انحيازاته ولا حق توجيه مسارات تعلمه أو تطويعه والاكتفاء باستخدام نماذج الآخرين ومهما بدا رشيدا، يُبقي اللغة في موقع التابع البنيوي.
وأكد أن امتلاك النموذج اللغوي لم يعد خيارا تقنيا ولا ترفا بحثيا بل أصبح ضرورة من ضرورات السيادة المعرفية، مبينا أن السيادة المعرفية تقوم على 3 أركان متلازمة هي؛ امتلاك البيانات التي تغذي المعرفة وتشكل أفقها، وامتلاك النوذج الذي يتعلم منها ويعيد إنتاجها، وامتلاك المعايير التي تقاس بها سلامة اللغة ودقة المعنى وأثره الثقافي.
أما الدكتور خضر، فأشار إلى أن الثورة الرقمية التي نشهدها بدأت قبل نحو 70 عاما إلا أنها في السنوات الثلاث الأخيرة قفزت إلى ثورة كبيرة من خلال الذكاء الاصطناعي، لافتا إلى أن المستقبل يحمل في طياته تطورات أكبر وسريعة أكثر وأن التداخل بين اللغات سيزداد.
واستعرض إيجابيات وسلبيات الثورة الرقمية وأنها في جانب معين خدمت اللغة، لافتا إلى أن سرعة التغيير والتطور المتسارع تتطلب مواكبته.
وأشار الى أن تعلم اللغة العربية في الغرب والصين ومناطق أخرى من العالم شهد زيادة لافتة، داعيا إلى ضرورة تهيئة الوسائل لغير العرب لتعلم اللغة العربية عبر مواكبة هذا العلم التقني والذكاء الاصطناعي.
ونبه إلى ضرورة معالجة الفجوات التي تنشأ بين اللهجات العربية واللغة العربية والعمل على ترجمتها عبر الذكاء الاصطناعي، داعيا إلى التوقف عند المصطلحات التي تأتي معظمها من الدول المنتجة للعلوم الرقمية والذكاء الاصطناعية.
وأكد أن اللغة العربية باقية وتحتاج إلى من يخدمها وضرورة زيادة وتنمية المحتوى الرقمي باللغة العربية والذي لا يتجاوز نصف بالمئة من المحتوى العالمي.
وكان الدكتور الدهام بيّن في بداية الندوة أنها تأتي في ظل تحديات كبيرة خصوصا مع اجتياح الذكاء الاصطناعي في زمننا الحالي، مؤكدا أن اللغة العربية
هي الهوية والوعاء الذي نفكر من خلاله، كما أنها تجمع نحو 400 مليون إنسان يتحدثون بها على رقعة واسعة تزيد على مساحة القارة الأوروبية.
ولفت الى أن اللغة العربية هي التي حافظت على إرتباط الأمة على امتداد تاريخها من العرب والشعوب الأخرى التي تعيش معا في هذه الرقعة الجغرافية.



