أردني – يتذكر الأردنيون اللحظات الأليمة التي عاشوها قبل تسعة عشر عامًا، يوم هزت التفجيرات قلب العاصمة عمان واهتزت لها النفوس وكانت تلك اللحظة نقطة تحول في تاريخ الأردن، حيث أسفرت عن استشهاد 56 شخصًا وإصابة أكثر من 115 آخرين ولم تكن التفجيرات مجرد هجوم إرهابي على ثلاثة فنادق، بل كانت اختبارًا حقيقيًا لصمود الأردنيين وتلاحمهم في مواجهة الفكر المتطرف.
ففي مواجهة الألم، تجلت معاني القوة والوحدة الوطنية بأبهى صورها ووقف الأردنيون صفًا واحدًا تحت الراية الهاشمية وقيادتها الحكيمة، مؤكدين أن الإرادة الوطنية أقوى من أي محاولة لتفكيك أو زعزعة استقرار الوطن.
وبحسب ما قاله العديد من المعنيين لوكالة الأنباء الأردنية (بترا )اليوم السبت فإن تلك الحادثة كانت بمثابة جرس إنذار، مما دفع الأردن إلى إعادة النظر في استراتيجياته الأمنية وتعزيز الجهود لمكافحة الإرهاب.
وبينوا أن تلك الحادثة فتحت الأبواب أمام وعي أكبر واستراتيجيات مُحكمة ومتطورة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وتم التعامل معها بكل حكمة على كافة الأصعدة، وتعزيز الأمن الداخلي، وتطوير السياسات الأمنية.
اللواء الركن المتقاعد عبدالله الحسنات، قال:”نستذكر الأحداث الأليمة التي شهدها الأردن يوم الأربعاء في 9 تشرين الثاني 2005، والمعروف بالأربعاء الأسود، حيث تبنى تنظيم القاعدة تلك الهجمات الإرهابية التي استهدفت عدداً من الفنادق في عمان، فتلك الفترة كانت محفوفة بمحاولات عديدة من العمليات الإرهابية من قبل التنظيمات الإرهابية”.
وأشار الحسنات إلى أن تلك العمليات جاءت في أعقاب التداعيات الإقليمية، مما أدى إلى تزايد الأنشطة الإرهابية في المنطقة، بما في ذلك الأردن، حيث كانت تلك التفجيرات صدمة كبيرة للأردنيين، وأسفرت عن تحول نوعي في المنظومة الأمنية في حينها، خاصة في المنشآت الحيوية مثل الفنادق والمولات والمجمعات التجارية ومحطات التلفزة والإذاعة وشركات القطاع العام الكبرى.
وأضاف أن الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذت حينئذ كانت قوية وبعضها ما زال قائماً لغاية الآن لحماية الأماكن العامة وضمان سلامة المواطنين، حيث تم فرض وجود أجهزة الكشف عن المتفجرات وتوظيف أفراد الأمن في معظم هذه المنشآت.
وأشاد بجهود القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي وكافة الأجهزة الأمنية في إحباط كثير من العمليات الإرهابية قبل وقوعها واعتقال عدد من الخلايا الإرهابية، ومثال ذلك الخلية الإرهابية التي تم اعتقالها مؤخرا في منطقة ماركا / عمان.
ودعا الحسنات إلى أهمية تعزيز وتفعيل المنظومة الأمنية في الأردن، وضرورة تكاتف جميع مؤسسات الدولة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية؛ لضمان حماية المواطنين والمنشآت، حيث أن الوضع الإقليمي المضطرب يستدعي استجابة فورية وحازمة.
وقال: “علينا أن نعمل تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمير الحسين، وأن مصلحة الوطن العليا يجب أن تكون فوق كل اعتبار، الأوضاع في المنطقة ليست سهلة، ولذلك يجب أن نتعاون ونتحلى بالوعي الكامل لما يجري من حولنا.”
من جانبه، أكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، أن الأردن انخرط بشكل رسمي في مكافحة الإرهاب منذ عام 2014، حيث انضم إلى التحالف الدولي لمواجهة هذه الظاهرة بعد استهداف مدنه في عدة محاولات.
وتطرق شنيكات إلى الجهود الأردنية المستمرة، موضحًا أن المملكة تبنت استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب، مشيرا إلى أن الأردن اليوم أصبح أكثر قدرة على مواجهته، حيث لم يعد يمثل خطرًا كما كان في السابق، وهذا نتيجة للنجاحات التي حققتها الأجهزة الأمنية .
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الأردنية الدكتور ليث نصراوين، قال:”لقد تعاملت الدولة الأردنية مع الأحداث الإرهابية التي ضربت العاصمة عمان في عام 2005 بكل حكمة وروية على كافة الأصعدة الأمنية والسياسية والقانونية، فعلى المستوى الأمني تمكنت الأجهزة الأمنية والعسكرية من ملاحقة الفاعلين وإلقاء القبض عليهم بالسرعة القصوى وإحالتهم إلى المحاكم الجزائية المختصة التي أصدرت قراراتها القضائية بحقهم التي وصل حدها إلى الحكم بالإعدام لبعض الإرهابيين المتورطين في العملية”.
أما على المستوى السياسي، فأشار إلى أن الدولة الأردنية نجحت في التعاطي مع الصدمة الشعبية التي أصابت المجتمع بكافة أطيافه جراء بشاعة الأعمال الإرهابية المرتكبة وعدد الشهداء من الأردنيين جراء هذه الأفعال الجرمية، فهول الواقعة كان عظيما على الشارع الأردني، إلا أن كافة المؤسسات الوطنية الحكومية والأمنية قد نجحت في الحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي، وتمكنت عمان من التعافي من مصابها الجلل بهمة وعزيمة أبنائها وحنكة قيادتها، فقد كان جلالة الملك عبد الله الثاني هو المشرف الأول على كافة الإجراءات التي قامت بها الدولة الأردنية للتعامل مع هذه الأعمال الإرهابية التي ضربت مجموعة من الفنادق فيها.
أما على الصعيد القانوني، فبين نصراوين أنه صدر قانون منع الإرهاب رقم (55) لسنة 2006 الذي تضمن تعريفا واسعا للعمل الإرهابي ليشمل كل عمل مقصود أو التهديد به أو الامتناع عنه أياً كانت بواعثه وأغراضه أو وسائله يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي من شأنه تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو إحداث فتنة إذا كان من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إلحاق الضرر بالأملاك العامة أو الخاصة أو المرافق الدولية أو البعثات الدبلوماسية أو تعريض الموارد الوطنية أو الاقتصادية للخطر أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة.
وفي إطار التصدي العالمي للإرهاب، أكد أستاذ القانون الإداري والدستور في الجامعات الأردنية الدكتور حمدي قبيلات أن هذه الظاهرة تمثل تحدياً كبيراً للنظام الدولي واستقراره، فالأردن شهد سلسلة من الحوادث الإرهابية، منها أحداث فنادق عمان عام 2005 وهجوم قلعة الكرك عام 2016.
وقال:”في مواجهة مثل هذه التهديدات، أطلق المجتمع الدولي العديد من الاتفاقيات والإستراتيجيات لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك الاستراتيجية العالمية التي اعتمدتها الأمم المتحدة، مبينا أن جهود مكافحة الإرهاب تتطلب تعاوناً دولياً مستمراً، ذلك أن الإرهاب لا يعترف بالحدود، مما يجعل العمل الجماعي ضرورة ملحة لحماية المجتمعات وتأمين الأمن والسلم الدوليين”.