تعيد تشكيل الحمض النووي للأطفال .. دراسة تكشف عواقب مدمرة للحرب
أردني – كشفت دراسة حديثة أن الصدمات المرتبطة بالحرب تغير الحمض النووي للأطفال، ما قد يؤثر على صحتهم العقلية والجسدية مدى الحياة. وتكشف عن التكاليف الخفية للحرب على الضحايا الأصغر سنا والأكثر ضعفا.
وأدت الحرب المستمرة بين أوكرانيا وروسيا والصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى دفع ملايين الأشخاص إلى أزمة إنسانية، مما أدى إلى نزوح الأسر وتعريض الأطفال للعنف المستمر وعدم الاستقرار، وفقا لـ indiatoday.
تم الاعتراف على نطاق واسع بالضرر النفسي الناجم عن مشاهدة أهوال الحرب، والموت، والخوف، وانعدام الأمن، لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الضرر أعمق من ذلك.
تسلط الدراسة الضوء على كيفية تأثير الحرب على الأطفال على المستوى البيولوجي، حيث تعمل على تغيير الحمض النووي الخاص بهم من خلال عملية تسمى مثيلة الحمض النووي.
وقد يكون لهذه التغييرات آثار طويلة المدى على صحتهم العقلية والجسدية، وتكشف عن التكاليف الخفية للحرب على الضحايا الأصغر سنا والأكثر ضعفا.
وشمل البحث، وهو الأول من نوعه، والذي نُشر في مجلة JAMA Psychiatry، عينات لعاب من 1507 أطفال لاجئين، تتراوح أعمارهم بين 6 و19 عامًا، يعيشون في مستوطنات غير رسمية.
قام الباحثون بتحليل مثيلة الحمض النووي (DNAm)، وهي عملية وراثية تعدل الحمض النووي عن طريق إضافة علامات كيميائية، وهذا من شأنه أن ينشط أو يسكت الجينات دون تغيير الشفرة الجينية الأساسية.
وهذا يعني أن التغيرات في الحمض النووي DNA يمكن أن تزيد من التعرض للقلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTST) من خلال إضعاف قدرة الدماغ على معالجة وتنظيم العواطف أو من خلال زيادة الحساسية للتوتر.
وعلى المستوى الجسدي، قد يكون لدى الأطفال مناعة ضعيفة، أو قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالتهاب مزمن، أو بطء في النمو الجسدي، كما هو الحال لدى الأطفال المعرضين لصدمات مثل الحرب.
لتقييم الصدمات المرتبطة بالحرب، تم ملء الاستبيانات من قبل الأطفال ومقدمي الرعاية لهم.
وبالتعاون مع جامعة لندن، ومنظمة غير حكومية دولية، اكتشف الفريق تغيرات في الحمض النووي لدى الأطفال المعرضين لأحداث الحرب. وقد تم العثور على هذه التغيرات في الجينات المسؤولة عن وظائف حيوية مثل النقل العصبي (اتصال الخلايا العصبية) والنقل داخل الخلايا (حركة المواد داخل الخلايا).
ومن المثير للاهتمام أن الدراسة كشفت أن هذه التغييرات في الحمض النووي مرتبطة بشكل خاص بصدمة الحرب وتختلف عن تلك الناجمة عن الشدائد الأخرى، مثل الفقر أو التنمر.
وأوضح الباحث الرئيسي البروفيسور مايكل بلوس من جامعة ساري: “تظهر نتائجنا أن الحرب تؤثر على الأطفال ليس فقط من الناحية العقلية، ولكن أيضًا من الناحية البيولوجية. لقد لاحظنا تباطؤ الشيخوخة الجينية لدى هؤلاء الأطفال، مما يشير إلى أن الحرب قد تؤثر أيضًا على نموهم”.
وأضاف أن “هذه الدراسة تسلط الضوء على التكلفة الأوسع والمأساوية للحرب على ملايين الأطفال الذين وقعوا ضحايا لها”.
يشكل هذا البحث، الذي يعد جزءًا من دراسة BIOPATH، التي بدأت في عام 2017، علامة فارقة في فهم التأثيرات طويلة الأمد للصدمات على الأطفال اللاجئين. كما كشفت الدراسة عن اختلافات ملحوظة بين الجنسين.
أظهرت الفتيات اللاتي تعرضن لأحداث الحرب تغيرات أكثر أهمية في الحمض النووي مقارنة بالفتيان، وخاصة في الجينات المرتبطة باستجابة الإجهاد وتطور الدماغ. ويشير هذا إلى أن الفتيات قد يكن أكثر عرضة بيولوجيًا للتأثيرات طويلة المدى للصدمات.
إن ميثلة الحمض النووي هي عملية طبيعية يتم فيها إضافة مجموعات الميثيل إلى الحمض النووي، والتي تعمل كمفاتيح تنظم نشاط الجينات. ورغم أن ميثلة الحمض النووي ضرورية للتطور الطبيعي، إلا أنها قد تتأثر بعوامل بيئية مثل الإجهاد والصدمات.
يمكن للتجارب القاسية، مثل الحرب، أن تغير أنماط الحمض النووي، مما يترك بصمات بيولوجية دائمة على الصحة العقلية والجسدية.
وتقدم النتائج فهماً أعمق لكيفية تأثير الضغوط الشديدة على إعادة تشكيل بيولوجيا الأطفال في مناطق الحرب.