مع تغير المشهد الاقتصادي العالمي يتعين على البلدان النامية، ومن ضمنها الأردن بالطبع، أن تتبنى أطرا اقتصادية جديدة تعزز قدراتها على مواجهة الأزمات الاقتصادية الكلية، واستغلال التكنولوجيا بشكل يحقق رقي الإنتاجية، ويعزز النمو والتحول الهيكلي فيها.
تواجه البلدان النامية حاليا ثلاثة تحديات عالمية: عودة الحمائية (وضع المعيقات الفنية والجمركية أمام التجارة بين الدول) وخاصة من قبل الدول المتقدمة، وتقلّص مجال السياسات الاقتصادية الكلية في الدول النامية نتيجة لتزايد المديونية، وتركّز ثورة التكنولوجيا في الدول الغنية التي تقوم بدعم التقنيات والابتكار والإبداع بمليارات الدولارات.
يصاحب هذه التحديات، عدم صلاحية ما أسماه أستاذ الاقتصاد الراحل جون ويليامسون بنموذج “إجماع واشنطن”،النموذج النيوليبرالي الذي هيمن على الفكر الاقتصادي لنصف قرن من خلال هيمنة وزارة الخزينة الأمريكية في واشنطن ويقوم على تنفيذه البنك والصندوق الدوليان ومنظمة التجارة العالمية. ينادي اجماع واشنطن بتقليل الانفاق الحكومي، وتوسعة القاعدة الضريبية، وتحرير الأسواق، وتحرير قطاع التجارة، وتحرير تدفق الاستثمارات الأجنبية، وخصخصة مؤسسات الدولة، وتحرير وإلغاء اللوائح والقوانين التي تعيق دخول الأسواق أو تقيد المنافسة، وغيرها.لم ينجم عن هذا النموذج في معظم الدول النامية تحسن ملموس في رفاهية مواطنيها.
كما ظهرت في السنوات الأخيرة حرب تجارية سافرة بين الولايات المتحدة والصين مع الدخول القوي للعملاق الصيني الى ساحة الاقتصاد العالمي كشريك تجاري وتنموي كبير وفعال للدول النامية ومنافس قوي يتفوق على أمريكا تقنيا وصناعيا في العديد من المجالات بنموذجه البعيد كل البعد عن إجماع واشنطن.حيث اعتمدت الصين، بنموذجها الاقتصادي الذي تقوده الدولة، لفترة طويلة على السياسة الصناعية التي تشكل أساس خطتها “صنع في الصين 2025″، التي قدمتها في عام 2015.
وكنتيجة لتقدم الصين، أصبحت الاقتصادات المتقدمة (المؤيدة لأرثوذكسية السوق الحرة في الماضي) تتبنى أيضا تدخل الدولة في الاقتصاد. فقامت أمريكا سيدة التجارة الحرة وراعيتها برفع معدلات التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بما في ذلك المركبات الكهربائية الصينية بشكل حاد منذ عام 2018. كما قامت إدارة الرئيس ترامب مؤخرا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على معظم الواردات من كندا والمكسيك وهي دول كانت تشارك الولايات المتحدة في اتفاقية التبادل الحر لشمال أمريكا، كما فرض رسوم إضافية جديدة على الواردات الصينية.
أيضا، سعت البلدان المتقدمة وبشكل متزايد إلى تبني استراتيجيات صناعية لدعم القطاعات التي تعتبرها استراتيجية، فعلى سبيل المثال يتضمن قانون CHIPS “تشيبس” والعلوم في الولايات المتحدة 52.7 مليار دولار لتمويل تطوير أشباه الموصلات وضخّت إدارة بايدن ما يزيد عن 1.3 تريليون دولار لتحسين وتحديث البنية التحتية في أمريكا. وبالمقابل قام الاتحاد الأوروبي بوضع استراتيجيته الصناعية الخاصة، لدعم الابتكار وخصص لها مئات المليارات.
قد يكون الهدف من هذه المبادرات تعزيز الأمن الاقتصادي غير أنها تغذي أيضًا التوترات الجيوسياسية وتؤدي إلى تفتت سلسلة القيمة عالميا.
وبالنسبة للأردن، يجب علينا تعزيز مرونتنا الاقتصادية الكلية، ومن ضمن ذلك تعزيز الأطر المالية وجذب المزيد من الاستثمار المباشر الأجنبي، والاستمرار في المحافظة على استقلال البنك المركزي، كما لم يعد من الممكن تحقيق التحول الهيكلي من خلال التصنيع الموجه نحو التصدير، خاصة لأن التصنيع أصبح أكثر كثافة في المهارات ورأس المال، فكما يوصي اثنان من أهم اقتصاديي العالم، داني رودريك وجوزيف ستيجليتز يجب التحول الى الاقتصاد الأخضر الشمولي وزيادة الإنتاجية في صناعة الخدمات كثيفة العمالة مما يحتاج إلى إمكانات كبيرة في القطاع العام لدعم الابتكار وهو ما قد يتم تحقيقه من خلال المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص.
الراي