"\n"
رئيسيمقالات

العيد التاسع والسبعون للاستقلال: مسيرة عزٍّ وإصرار نحو المستقبل

رائد أبو عبيد

تحتفل المملكة الأردنية الهاشمية هذه الأيام بذكرى استقلالها التاسعة والسبعين، وهي مناسبةٌ وطنيةٌ غاليةٌ تختزل في طياتها تاريخًا من النضال والتضحيات، وتُجسِّد انتصار إرادة الشعب الأردني الذي بنى، بقيادة الهاشميين، وطناً عصيّاً على التحديات، وقادراً على صناعة الأمل رغم كل الصعاب.

في الخامس والعشرين من أيار عام ١٩٤٦، أعلن المغفور له جلالة الملك عبدالله الأول بن الحسين استقلال الأردن، ليُطهر الأرض من وصاية الاستعمار، ويُرسي دعائم دولةٍ حديثةٍ تحمل رسالةَ الثورة العربية الكبرى وتستلهم مبادئها في الحرية والعدالة. لم يكن الاستقلال مجرد تحريرٍ للحدود، بل كان بدايةً لمسيرة بناءٍ شاملة، التحم فيها القائد مع شعبه، ليرسموا معًا ملامح أردنٍ قويٍّ بثقافته، صلبٍ بهويته، عربي بانتمائه.

على مدار ٧٩ عامًا، حافظ الأردن على ثباته رغم العواصف الإقليمية، بفضل رؤية القيادة الهاشمية الحكيمة التي جعلت من الإنسان محور التنمية، ورفعت شعار (الأردن أولاً) في كل المفاصل، من الملك المؤسس عبدالله الأول إلى جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين، ظلّت المسيرة متماسكة، تعمل على تعزيز الاستقرار، وتنمية الاقتصاد، وتمكين الشباب، وتكريس مكانة الأردن كواحةِ أمنٍ وسلامٍ في منطقةٍ ملتهبة.

لقد تحوّل الأردن، بفضل هذه الرؤية، إلى نموذجٍ في التعليم والصحة، حيث تُعتبر نسبة التعليم فيه من الأعلى عالميًّا، كما أصبح قطاعا السياحة والطاقة المتجددة مصدر فخرٍ وطني، خاصة مع مشاريع مثل شركة مشروع رياح الأردن للطاقة المتجددة، ومحمية ضانا التي تجسّد التوازن بين التنمية وحماية البيئة وغيرها الكثير من المشاريع التنموية.

لا يُختزل الاستقلال في الماضي، بل هو جذوةٌ تُضيء الحاضر والمستقبل، فشباب الأردن، الذين يشكّلون أكثر من ٧٠٪ من السكان، هم وقودُ المسيرة القادمة، بإبداعاتهم في التكنولوجيا وريادة الأعمال، وبإصرارهم على تجاوز التحديات الاقتصادية، يُثبتون أن روح الاستقلال لم تغب عن الأجيال الجديدة. فها هي الشركات الناشئة في عمّان وإربد تُصنّع واقعًا رقميًّا جديدًا، وها هم متطوعو “رسل السلام” يُحيون قيم التطوع التي ورثوها عن الآباء.

الاستقلال هو أيضًا ذاكرةٌ ثقافيةٌ حية، فالأردن، الذي احتضن حضاراتٍ عدّة، لا يزال يحرس تراثه بفخر، من حكايات البتراء الخالدة إلى ألوان الفسيفساء في مادبا، ومن نكهة المنسف الأصيلة إلى ألحان السامر في الأعراس. وفي الوقت نفسه، يبقى الأردن قلعةً للعروبة، يحمل رسالةً إنسانيةً عالميةً عبر استضافته للاجئين، ليُعلّم العالم أن الاستقلال لا يكتمل إلا بتحرير الإنسان من الخوف والحاجة.

وتُطل الذكرى التاسعة والسبعون لتحمل رسالة تفاؤل: فكما حوّل الأجداد الصحراء إلى دولة، سيحوّل الأحفاد التحديات إلى فرص. فمشاريع “رؤية ٢٠٢٥” الطموحة، والاستثمار في التحول الرقمي، وتعزيز السياحة العلاجية، تُشير إلى أردنٍ قادرٍ على المنافسة العالمية، دون أن ينسى جذوره.

في هذا اليوم المجيد، يردّد الأردنيون بفخرٍ نشيد (عاش المليك)، ليس فقط تعبيرًا عن الولاء، بل تأكيداً على أن الاستقلال مسيرةٌ لا تتوقف، فكل عامٍ جديد هو صفحةٌ تُضاف إلى سفر الوطن، تُكتب بإيمان الشعب، وحكمة القيادة، وعراقة التاريخ.

كل عام والأردن العزيز أعلى وأبقى، وكل عام وقيادتنا وشعبُنا الوفي درعُ الوطن وسيفه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى