"\n"
مقالات

جدولة مكلفة

ماهر ابو طير

عشرات آلاف الأردنيين ينشغلون هذه الأيام بدراسة الماجستير والدكتوراه، داخل الأردن وخارجه، وهذه الألقاب أصبحت عبئا كبيرا على أصحابها.

يأتي هذا في الوقت الذي تدفع فيه المدارس عشرات آلاف الطلبة إلى الجامعات من أجل دراسة البكالوريوس، فيما نسبة البطالة مرتفعة، ولا تنخفض أصلا، لأن الكل يريد وظيفة، وهي وظيفة لا تأتي صاحبها بكلفة الوقود، ولا المواصلات، في ظل الغلاء، واحتياجات كثيرة.

أمام هذا المشهد، وهذه الإغلاقات يندفع الطلبة نحو تحسين مستواهم الأكاديمي عبر دراسة الماجستير والدكتوراه، وكأننا أمام شراء للوقت فقط، مع الإقرار هنا أن من حق كل إنسان، أن يرتقي بمستواه الأكاديمي، لكنّ سؤال المردود يبقى قائما، خصوصا، مع انتفاخ السيرة الذاتية، وزيادة توقعات حملة الشهادات، من حيث المردود الاقتصادي، أو الموقع الوظيفي، وارتداده الاجتماعي، وهي عناوين يعرف الكل أن إجاباتها غير متوفرة.

هذا الاختلال ليس وليد مرحلة محددة، بل جاء تراكما لمراحل متلاحقة، ولم تتغير أولويات الأردنيين هنا، باعتبار أن ما يمكن تسميته بعقدة الثانوية العامة، لا يتيح لأحد نقد خيارات الناس، بعد المرور الصعب بهذه المرحلة، بحيث تكون الجامعة مكافأة اجتماعية على الخلاص من تلك المرحلة الصعبة، لكنها مكافأة تعيد جدولة الوقت والطموحات ولا تحسمها نهائيا.

لكن المفارقة هنا أن لا حلول متوفرة، خصوصا، أن هذه المعالجة لا تتقصد القول للناس، أن عليهم ألا يتعلموا، لكننا نتحدث عن جودة التعليم، وجدواه الاقتصادية، والآفاق التي قد يوفرها لأي طالب في ظل مصاعب التوظيف أصلا، لدى القطاع الخاص، وعدم توفر الوظائف لدى القطاع العام الذي يفيض بموظفيه، ويبحث عن حلول للتخفيف من كلفتهم.
لدينا ظاهرة جديدة في الأردن، موجودة في دول عربية، أي عمل الخريج في أي وظيفة عدا شهادته، وكثيرا ما تجد شبابا يعملون بأي وظائف متوفرة ليست على صلة
بتخصصاتهم أصلا، والمؤكد أن هذه الظاهرة سوف تتعاظم لأن الكل بحاجة إلى المال من أجل الإنفاق على أنفسهم وعائلاتهم، وبحيث تتحول الشهادة الجامعية تدريجيا إلى مجرد عنوان اجتماعي يخفف من التنابز بالألقاب، أو محاولات الانتقاص من كفاءة أي شخص.

الحل الوحيد المتاح هو توفير تخصصات جديدة، وهي عملية ليست سهلة، وعلى سبيل المثال فإن أغلب خريجي التخصصات الإنسانية يواجهون مشاكل معقدة بعد التخرج، كما أن الازدحام الحاصل نحو تخصصات جديدة في الأردن سيعيد إنتاج المشكلة لاحقا، أي كثرة المعروض وقلة الطلب.

تأثيرات هذا المشهد سلبية على صعيد الروح المعنوية، وخطط الشباب لبدء حياة حافلة، وحين يواجه هؤلاء كل هذه العناوين يهربون نحو دراسة الماجستير والدكتوراه لعل شيئا يتغير، بما يعنيه ذلك من كلف معنوية ومالية، تجدول المشكلة فقط، وتؤجلها إلى وقت لاحق، وربما تزيد كلفة المشكلة أمام الألقاب المحمولة، ومستوى الشهادات التي تمت ترقيتها.

الخلاصة هنا تقول إن هذا المشهد بحاجة إلى وقفة عميقة، حتى لا نصحو بعد 10 سنين وبيننا عشرات الآلاف من حملة الدكتوراه لا يرضون بأي وظيفة، ولا تناسبهم أي وظيفة بدخل منخفض، فيما تبقى الحلول المتاحة تتراوح بين الهجرة، أو القبول بالواقع، إضافة للتأثيرات الاجتماعية الحادة.

الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى