
تُظهر نتائج النصف الأول من عام 2025 أن الحكومة أنجزت نحو 32.4% من أولويات البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، وهو ما يعادل 177 أولوية من أصل 545. في المقابل، ما تزال 342 أولوية قيد التنفيذ، في حين أن 21 أولوية متأخرة، و4 لم يبدأ العمل بها بعد. هذه الأرقام تطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن نسير ضمن المسار الزمني والمنهجي الذي يحقق أهداف الرؤية ضمن مداها التنفيذي (2023-2025)؟
من حيث الكم، تبدو نسبة الإنجاز الكلي متوسطة في منتصف الطريق، لكنها من حيث التوزيع القطاعي تحمل دلالات مهمة. محرك “الصناعات عالية القيمة” جاء في المرتبة الأولى من حيث عدد الأولويات المنجزة، تلاه محرك “الخدمات المستقبلية”، ثم “الريادة والإبداع” و”الموارد المستدامة”. هذا التسلسل يعكس توجهًا واعيًا نحو القطاعات الإنتاجية والمستقبلية، وهو أمر إيجابي يعكس وعيًا استراتيجيًا بأولويات المرحلة.
مع ذلك، فإن نسبة الأولويات “قيد التنفيذ” (62.9%) لا تعني بالضرورة بطء الأداء، بل قد تعكس طبيعة المشاريع التي تتطلب أطرًا زمنية أطول، أو ترتبط بإجراءات تنظيمية وتشريعية متعددة المستويات. لكن في المقابل، فإن استمرار وجود 21 أولوية متأخرة، و4 لم يبدأ العمل بها، يشير إلى وجود تأخر في بعض المحاور، ما يتطلب مراجعة دورية دقيقة لمعرفة أسباب التأخير، سواء كانت تمويلية أو إدارية أو حتى مرتبطة بضعف التنسيق المؤسسي.
من اللافت أيضًا أن محرك “نوعية الحياة” يأتي في مقدمة المحركات التي ما زالت فيها معظم الأولويات قيد التنفيذ (54 أولوية)، يليه “الريادة والإبداع” و”الصناعات عالية القيمة”. وهنا تبرز إشكالية مزدوجة: من جهة، فإن هذه المحركات ترتبط ارتباطًا مباشرًا بجاذبية الاقتصاد الأردني داخليًا وخارجيًا؛ ومن جهة أخرى، فإن بطء الإنجاز فيها قد يؤثر على مزاج السوق المحلي وثقة المستثمر الأجنبي.
أما من الناحية المالية، فمن المهم ربط كل هذه المبادرات بمشروع الموازنة للعام القادم 2026 حيث خصصت الحكومة خصصت 734 مليون دينار في موازنة 2024 لتنفيذ الرؤية، منها 250 مليونًا من المساعدات الخارجية. هذا يدل على اعتماد جزئي على التمويل الخارجي في تنفيذ المشاريع، مما يستدعي تسريع الإصلاحات الإدارية والحوكمة لضمان الاستفادة القصوى من هذه الموارد.
قد تكون هذه المرة الأولى التي توضع استراتيجية ومن ثم يتم تقييمها ومراجعة ما تحقق منها وهو شيء إيجابي، لكن وبرغم أن المؤشرات تُظهر تقدمًا ملموسًا في تنفيذ الرؤية، إلا أن ضمان الأثر الاقتصادي المستدام يتطلب تسريع الإنجاز، وتعزيز المتابعة، وربط التنفيذ بالأثر الفعلي على النمو وفرص العمل والعدالة الجغرافية في توزيع المشاريع.
“الرأي”