
أردني – يتجدد التأكيد في 17 تموز من كل عام ، على أن العدالة الجنائية ليست مجرد شعارات ولافتات ترفع لمجرد استذكارها، بل هي نافذة لحماية الحقوق والحريات وتحقيق الكرامة الإنسانية، خاصة في المجتمعات التي تنشد الأمن والاستقرار في ظل مبدأ سيادة القانون.
ويحتفل العالم في هذا اليوم، بالذكرى السنوية لاعتماد نظام روما الأساسي في عام 1998، وهي المعاهدة التي أنشأتها المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، بهدف الاعتراف بالنظام الناشئ للعدالة الجنائية الدولية، والتأكيد على أهمية مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم الدولية الخطيرة، مثل الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان، كما يمثل هذا اليوم فرصة للتفكير في أهمية العدالة الدولية ودورها في تحقيق السلام والأمن العالميين.
وعزز الأردن مكانته الرفيعة في صون الحقوق والكرامات من خلال العديد من التعديلات القانونية والدستورية التي ضمنت حقوق الإنسان في كل مرحلة من مراحل التقاضي، حيث اثبتت المملكة أن العدالة لا تُقاس فقط بالأحكام، بل بمدى احترامها للكرامة والإنصاف والشفافية، وأن العدالة الجنائية الفاعلة هي حجر الأساس لأردن آمن يحترم الحقوق ويعزز الثقة بين المواطن والمؤسسات.
الرئيس السابق للنيابة العامة، ومدير عام المعهد القضائي سابقًا، الدكتور اكرم مساعدة، قال إن الدولة الأردنية أخذت على عاتقها تطبيق العدالة بشكل يضمن كرامة مواطنيها وصون حقوقهم وتعزيز ثقتهم بالجسم القضائي، وهذا ما تجسد في المواد من 3 إلى المادة 23 في الدستور الأردني، حيث أعطت هذه المواد للأردنيين حق المساواة في التقاضي.
وأشار مساعدة إلى أن العقوبات البديلة التي دخلت حيز التنفيذ أخيرًا، تعد نقلة نوعية في مسيرة القضاء الأردني، وصنعت خطوة كبيرة في مجال تطوير العدالة المحلية بعد ان قامت بتخفيف اكتظاظ السجون وتقليل التكلفة المالية على الدولة ، اضافة إلى اعطاء فرصة أخرى لأصحاب الجنح لمراجعة انفسهم قبل الوقوع في الخطأ مجددًا.
وأضاف، أن المشرع اوجب النظر لطرفي الخصومة الجنائية بنظرة واحدة لا فرق بين أي منهم فهم متساويين أمام القانون في الحقوق والحريات ومتمتعين بكافة الضمانات القانونية على حد سواء
وعزز مبدأ قانونية الإجراءات الجزائية وشرعيتها، فلا يعاقب الشخص عن جريمة لم ينص عليها القانون وذلك إعمالا لمبدأ لا جريمة ولا جزاء إلا بنص في القانون.
مديرة مركز “تمكين” للمساعدة القانونية، ليندا كلش، أشادت بالخطوات التي اتخذها الأردن نحو تعزيز منظومة عدالة أكثر إنسانية وفاعلية، وفي مقدمتها اعتماد العقوبات المجتمعية البديلة التي تُمثل نقلة نوعية في التفكير الجزائي، وتهدف إلى تقليص الاكتظاظ داخل مراكز الإصلاح، وإعادة تأهيل الأفراد بما يخدم الصالح العام ويحترم كرامة الإنسان.
ورحبت كلش، بالتعديلات الأخيرة على قانون العقوبات، والتي عكست توجهاً رسمياً نحو ترسيخ العدالة الإصلاحية، وتعزيز دور المجتمع في إنفاذ القانون، وتقليل اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية، خصوصًا في القضايا البسيطة، والتي أكدت أن العدالة لا تعني فقط العقاب، بل تعني أيضاً الإصلاح والحماية ومنع التكرار.
وجددت كلش الدعوة إلى نهج جزائي متوازن، يقوم على احترام الكرامة الإنسانية، ويضمن أن يكون كل إجراء جنائي جزءًا من منظومة عدالة شاملة، تُحقق الردع دون انتهاك، والإصلاح دون وصم، والمحاسبة دون ظلم.
من جانبه، قال مدير مركز العدالة لحقوق الانسان، عاصم ربابعة، إن الأردن لعب دورًا رياديًا ومهمًا في دعم المحكمة الجنائية الدولية ودخول نظام روما الأساسي حيز النفاذ، حيث كان الأردن من أوائل الدول التي صدقت على نظام روما الأساسي، في 11 أبريل من عام 2002، هذا التصديق المبكر جعله أول دولة عربية تصدق على النظام الأساسي، ما يعكس التزامه القوي بمبادئ العدالة الدولية وسيادة القانون.
ولفت إلى أن نظام روما الأساسي دخل حيز النفاذ في 1 يوليو 2002، بعد أن وصل عدد التصديقات إلى 60 دولة، كان تصديق الأردن من بين التصديقات الحاسمة التي ساهمت في تحقيق هذا العدد، وبالتالي في تفعيل المحكمة الجنائية الدولية وبدء عملها، حيث أظهر الأردن من خلال هذا الدور دعمه للمحكمة كآلية أساسية لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة عن الجرائم الدولية، مما يعزز من مكانته كداعم للعدالة وحقوق الإنسان على الساحة الدولية.
مفوضة الحماية في المركز الوطني لحقوق الانسان، الدكتورة نهلا المومني، أشارت إلى أن العدالة الجنائية الدولية شكلت مرحلة فاصلة ضمن محورين اساسيين؛ يتمثل المحور الأول في الاعتراف الدولي بالمسؤولية الجنائية الدولية للأفراد، بعد أن كانت مسؤولية تقتصر المساءلة والمحاسبة فيها على صعيد الدول دون الافراد، الامر الذي شكل مدخلا لاجراء محاكمات لبعض من قادة الحرب او على اقل تقدير اصدار مذكرات توقيف بحقهم وفق اجراءات اصولية محددة ومقننة.
اما المحور الثاني، فيتمثل في الوصول دوليا الى وضع معيار مشترك لما يعد جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم العدوان وتوضيح عناصرها بما يضمن نموذجا قانونيا واضحا لهذه الجرائم.
أما على الصعيد الوطني، اشارت المومني الى ان النموذج الاردني في العدالة الجنائية يعد ثابتا من ثوابت الدولة الاردنية، وفلسفة متأصلة في الدستور الاردني الذي يمثل الوثيقة الأسمى قانونيا، وفي التشريعات الوطنية كذلك ويقوم الأردن في الوقت ذاته بدعم منظومة العدالة الجنائية الدولية.
وتابعت، أن هذه الفلسفة وهذا الدعم جاء خلال ابعاد متعددة، منها مصادقة الأردن على نظام المحكمة الجنائية الدولية واقراره لمبدا المساءلة الجنائية الدولية للافراد ايمانًا منه بأن العدالة الدولية، هي السبيل نحو الأمن والسلم الدوليين، بالاضافة إلى مصادقة الأردن على عدد هام من الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الانسان، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز العنصري وغيرهم، وابرام اتفاقيات ثنائية بين المملكة وبين عدد من الدول لغايات تسليم المجرميين والتعاون في تبادل المعلومات التي من شأنها منع الافلات من العقاب وضمان مساءلة مخالفي القانون اينما كانوا، والالتزام بالمبدأ الدولي المحاكمة أو التسليم، خاصة في القضايا التي تشكل ترويعًا للسلم الداخلي والدولي وذلك بالتأكيد في اطار الاحترام التام للدستور الأردني.