"\n"
مقالات

في «التحديث الاقتصادي» .. الموقع الجغرافي قوة أم تحدٍّ؟!

عوني الداوود

من أهم النقاط التي تكرّر ذكرها خلال مناقشات المرحلة الثانية لرؤية التحديث الاقتصادي 2033، التي اختتمت مناقشاتها الاثنين الماضي، ودار حولها جدل فيما إذا كانت لا زالت تُعدّ نقطة قوة لعدد من محركات رؤية التحديث في المرحلة الأولى أم أنها أصبحت نقطة تحدّ، هي (الموقع الجغرافي الاستراتيجي للأردن).. هذه النقطة تكررت في محركات وقطاعات متعددة، ومنها: (الاستثمار، والنقل، والصناعة، والتجارة.. وغيرها).

كثيرون رأوا أنّ الموقع الجغرافي للأردن هو «نقطة قوة» لمحركات اقتصادية عديدة، وآخرون قالوا إن جميع الدول – ربّما – ترى أن موقعها الجغرافي نقطة قوة لها وليس الأردن فقط، الأمر الذي لا يجعل من موقع الأردن الجغرافي نقطة قوة أو تميز، خصوصًا وأن الموقع الجغرافي للأردن في السنتين الماضيتين، وتحديدًا منذ 7 أكتوبر 2023، صار يشكّل تحديًا في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة، وفي ظل توسع رقعة الحرب في الإقليم إلى جنوب لبنان، ثم سوريا، ثم اليمن، إلى أن اندلعت الحرب بين إسرائيل وإيران.

وفي ظل التصعيد المتواصل، شكّل الموقع الجغرافي تحديًا للأردن انعكست آثاره سلبًا على قطاعات اقتصادية مهمة، في مقدمتها قطاعات: السياحة، والتجارة، والنقل.. وغيرها، خصوصًا مع انعكاسات تداعيات ما جرى في باب المندب والبحر الأحمر من اضطرابات.

كذلك، وفي كل أزمة أو حرب يتعرض لها الإقليم، سواء في غزة أو الضفة أو سوريا أو لبنان أو العراق.. وغيرها، يدفع الاقتصاد الأردني ثمنًا باهظًا لتداعيات ما يجري من حوله، وهذا بالتأكيد بسبب موقع الأردن الجغرافي.

كل ما تقدّم يعيد السؤال الذي أجاب عليه كثيرون بأنه لا زال يمثّل نقطة قوة، وأجاب آخرون أنه لم يعد كذلك، يطرح السؤال نفسه هذا اليوم: هل لا زال الموقع الجغرافي للأردن نقطة قوة أم بات يشكّل تحديًا على الاقتصاد الوطني؟.. وللإجابة على هذا السؤال نشير إلى النقاط التالية:

1 – الموقع الجغرافي الاستراتيجي للأردن يجعل من المملكة بوابة استثمارية كبرى متوسطة بين قارات ثلاث (آسيا وأوروبا وأفريقيا).

2 – موقع الأردن الجغرافي بين أسواق شرق أوسطية كبرى (العراق، وسوريا، والسعودية)، بالإضافة إلى مصر، يجعل من موقع الأردن نقطة قوة تجارية واستهلاكية.. ومن هنا جاءت فكرة مشاريع التكامل الاقتصادي بين (الأردن ومصر والعراق)، ومشاريع التكامل الصناعي بين (الأردن والإمارات والبحرين ومصر والمغرب).

3 – الموقع الجغرافي للأردن يجعله في صلب معظم – إن لم يكن جميع – المشاريع الإقليمية الكبرى، ومنها: مشاريع شبكة سكك الحديد الإقليمية، ومشروع التجارة العالمي (الهند – الإمارات – السعودية – الأردن.. وصولًا إلى أوروبا / المشروع الذي أُعلن عنه خلال اجتماعات قمة مجموعة الـ20 في الهند)، والمشروع الصيني الكبير «الحزام والطريق»، ومشاريع خليجية كبرى في المنطقة.

4 – في رؤية التحديث الاقتصادي، تتم المراهنة على «الموقع الجغرافي الاستراتيجي» للمملكة من أجل أن يكون الأردن مركزًا إقليميًا لـ(الأمن الغذائي + النقل + التجارة الإلكترونية + الصناعات الإبداعية + الهيدروجين الأخضر.. وغيرها من المبادرات في جميع محركات النمو الواردة في رؤية التحديث الاقتصادي 2033).

5 – موقع الأردن الجغرافي اليوم، والمنطقة تنتظر عودة الاستقرار لها، سيجعل من الأردن منطلقًا لمشاريع إعادة إعمار كبرى تُقدَّر بمئات المليارات، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق أو الضفة أو غزة.

6 – موقع الأردن اليوم يمكّنه من تنفيذ مشاريع إقليمية كبرى في الطاقة (من خلال تزويد العراق بالكهرباء، وكذلك إلى سوريا وإلى لبنان)، وهناك مشاريع قائمة بالفعل، وهي تنتظر اليوم جديّة من تلك الدول للبدء الفوري بالتنفيذ.

7 – من ينظرون إلى أنّ سلبيات الموقع الجغرافي أكثر من إيجابياته، يستذكرون انعكاسات الحروب في المنطقة على القطاع السياحي وقطاع النقل والتجارة وغيرها، خصوصًا مع تزايد المخاطر عند باب المندب وفي البحر الأحمر، وانعكاسات كل ذلك سلبًا على الاقتصاد الأردني، متأثرًا بتعطل سلاسل التوريد وارتفاع كلف الشحن وكلف التأمين على البضائع.. وغيرها من التحديات.

*باختصار: الجدال حول هذه النقطة سيبقى متواصلاً، لكن وجهة نظري المتواضعة ترى بأنّ الموقع الجغرافي يكون نقطة قوة إن نحن أحسنا استثمار عناصر القوة فيه، وسوف يتحول إلى نقطة تحدٍ إن نحن لم نحسن ذلك.. وحتى نجيب على السؤال الذي طرحناه بداية: هل موقعنا الجغرافي الذي اعتبرناه في المرحلة الأولى من البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي نقطة قوة.. هل لا زال كذلك في المرحلة الثانية؟.. علينا أن نقيّم تعاملنا مع هذه النقطة لنرى نسبة استثمارنا لها إيجابًا أو سلبًا.

“الدستور”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى