"\n"
فرعيمحليات

نجم سهيل .. رمز في التراث الأردني وإشعاع في علم الفلك

أردني – يُطل نجم “سهيل” في سماء الأردن في مثل هذه الأيام من كل عام، معلنًا بداية مرحلة من التحولات المناخية التي ارتبطت بالذاكرة الشعبية منذ مئات السنين، ومثّلت علامة فارقة في التراث المرتبط بالمواسم الزراعية وحياة البادية، ومؤشرًا لعلماء الفلك على مرّ العصور.

يهتم الأردنيون بمراقبة نجم سهيل لما له من مكانة خاصة في الثقافة والتقويم الشعبي، ويعد سهيل من ألمع النجوم في السماء ويظهر غالبًا في أواخر الصيف، ويرتبط ظهوره بالعديد من العلامات الفلكية والمواسم الزراعية عند الأردنيين، مثل توقيت زراعة بعض المحاصيل وحصادها، كما يحمل هذا النجم رمزية في التراث الشعبي.

وقال أحد العارفين بعلوم الفلك في البادية الأردنية، الحاج فرحان الهقيش، إن نجم سهيل يظهر في أواخر شهر آب في بلاد الشام، ويشكل ظهوره رمزية كبيرة لدى أبناء البادية، كونه يبشر بقرب نزول المطر وانحسار الحر، إيذانًا بدخول موسم “الهريف” الذي يسبق الشتاء.

وأضاف أن نجم سهيل ارتبط بالعديد من الأمثال الشعبية التي تعكس مكانته في الموروث، ومن أبرزها المثل القائل “إذا طلع سهيل لا تأمن السيل”، مبينًا أن الفلاحين يستبشرون بظهوره خيرًا لبدء زراعة المحاصيل الشتوية، حيث تبرد الأرض ويتهيأ البذار للإنبات، بينما لا تنجح الزراعة قبله بسبب حرارة التربة التي تفسد الزرع.

وبين الهقيش أنه مع طلوع سهيل يبدأ موسم “الهريف” ومدته 52 يومًا، حيث يشرع المزارعون بحراثة الأرض وزراعتها فيما يعرف بـ”العفير”، يليه موسم “النَّوا” الذي يمثل بداية الموسم المطري ومدته 75 يومًا، وينقسم إلى ثلاثة أجزاء: “الثروي” و”الجوزا” و”الشعرى”.

وأضاف أن الشعرى يُطلق عليها في الموروث الشعبي اسم “المرزم”، لكون السماء ترزم أي ترعد في هذه الفترة، كما تلد الإبل وترزم على مواليدها، وهو صوت دال على عطفها وحنانها، فيشبه أبناء البادية السماء بالناقة التي تعطف على وليدها، في صورة رمزية للخير والبركة.

وأشار الهقيش إلى أن من العلامات الشعبية الدالة على بزوغ نجم سهيل ظهور نبتة “عود الروى”، حتى وإن لم يُشاهد النجم بالعين المجرّدة، لافتًا إلى أنه تم رصد هذه النبتة خلال الأيام الماضية، فضلًا عن الشعور بالبرودة ليلًا الذي يُعد من أبرز الدلالات المصاحبة.

من جهته، بين أستاذ الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء في جامعة البلقاء الدكتور علي الطعاني إن نجم سهيل هو ثاني ألمع نجم في السماء بعد نجم الشعرى اليمانية، ويزيد لمعانه عن لمعان الشمس بنحو عشرة آلاف مرة، وتبلغ كتلته نحو ثماني مرات كتلة الشمس، بينما يفوقها حجمًا بنحو 71 مرة، ويبعد عن الأرض نحو 313 سنة ضوئية، أي أن الضوء الذي نرصده اليوم انطلق منه في الماضي البعيد.

وأشار الى أن نجم سهيل يظهر حاليًا من الجهة الجنوبية قبل شروق الشمس بنحو نصف ساعة إلى ساعة تقريبًا، ويُرصد عادة في أواخر الصيف أو بداية الخريف، وهو الوقت الذي تبدأ فيه درجات الحرارة بالانخفاض بشكل طبيعي في الجزيرة العربية وأجزاء من بلاد الشام وشمال إفريقيا، اذ ارتبط ظهوره منذ القدم بدلالات فلكية ومناخية عند العرب، حيث اعتُبر طلوعه علامة على انكسار شدة الحر، وبدء درجات الحرارة بالاعتدال نهارًا والميل إلى البرودة ليلًا.

وأوضح الطعاني أن فترة ظهوره تستمر نحو 52 يومًا، تُقسّم إلى 4 مراحل متتابعة، مدة كل مرحلة نحو 13 يومًا منها الطرفة: يصبح الجو فيها لطيفًا ليلًا مع بقاء الحرارة نهارًا، والجبهة: وهي أول منازل الخريف، يبرد الليل فيها ويعتدل النهار، والزيرة: يزداد فيها برد الليل حتى يُنصح بتجنّب المبيت في العراء، والصرفة: وهي آخر منازل سهيل، وسُميت بذلك لانصراف الحر مع طلوعها.

وبين انه يمكن رصد نجم سهيل حاليا في المملكة بالأفق الجنوبي قبل شروق الشمس بنصف ساعة باستخدام التلسكوب، وبعد نحو أسبوع من ظهوره يصبح مشاهدًا بالعين المجردة بوضوح في الجهة الجنوبية قبل شروق الشمس بساعة تقريبًا.
ويجمع “سهيل” بين دلالته التراثية كرمز في حياة الأجداد، وبين قيمته العلمية كجسم فلكي مهم يضيء سماء الكون، ليبقى حاضرًا في وجدان الأردنيين من جهة، وفي اهتمامات العلماء من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى