
تخيلوا معي وببساطة، ماذا لو اكتفى الأردن خلال العامين الماضيين بالمشاهدة كما فعل كثيرون، ورفع حاجبيه دهشة أمام الحصار، واكتفى بالتعبير عن القلق؟ وماذا لو اعتبر أن”الجغرافيا “و “بعد المسافة” تعفيه من الواجب، وأن قلة الإمكانيات والموارد والضغوط الاقتصادية حجة لعدم القيام بالواجب؟ فهل كانت غزة ستصمد لعامين تحت الطوفان؟.
وتخيلوا معي أيضا ماذا لو قال الأردن إن المعابر مغلقة، وإن الاحتلال يعرقل، وإن الأولوية للداخل، وإن اقتصاده لا يحتمل؟فهل كانت غزة ستظل قادرة على التنفس؟ وهل كانت ستبقى واقفة على قدم واحدة؟وكل هذه الأسئلة لا تأتي من باب المنه أو تحميل الجميل، بل لنصل إلى حقيقة يحاول البعض إنكارها، وتكمن بأن الأردن شريك رئيسي ووحيد بصمود غزة.
فما بين الحدود والسماء، كانت “المساعدات تتدفق” من عمان إلى غزة، عبر أكثر من 8,664 شاحنة عبر 201 قافلة برية، بالإضافة لـ 53 طائرة محملة بالمساعدات هبطت بالعريش، و564 عملية إنزال جوي في عمق الحصار، وهذه ليست أرقاما للعلاقات العامة، بل وقائع صنع الفرق ودعم الصمود الذي نرى نتائجه اليوم.
الأردن فتح مسارات الحياة لغزة في حين كانت كل المسارات مغلقة، ومدها بالخبز والماء والدواء والمستشفيات، لا مرة واحدة ولا مرتين ولا ثلاثتاً، بل على مدار عامين، حتى في أوقات خفتت بها الكاميرات وبردت التغطيات، استمرت عمان في إرسال شاحناتها وطائراتها، وكأنها تعرف أن المعركة ليست لحظة، بل مسار.
الدور الأردني لم يكن إنسانيا فحسب، بل كان مشروعاً متكاملاً للمساندة، فقام بتوفير مليون ونصف المليون وجبة ساخنة، وآلاف الخيام ومستلزمات الإيواء، ومياه صالحة للشرب، وأطراف صناعية لجرحى الحرب، وطحين، وأضاحياً..، دعم يومي، لا موسمي.
ورغم كل ما كان الأردن يقدمه للاشقاء، وجد نفسه يتعرض لضغوط هائلة، فاقتصاد يعاني، ومؤامرات تحريضية ، ومحاولات زعزعة الاستقرار من بعض المزاودين والمحرضين بالخارج، وبرغم ذلك ظل “متماسكاً محافظاً ” على جبهته الداخلية.
الهيئة الخيرية الهاشمية، هذه المؤسسة التي كانت تعمل من خلف الستار، نجحت بالتنسيق مع الجيش العربي ووزارة الخارجية وسلاح الجو، لتعيد تعريف معنى “الدور الإنساني” في أجمل صوره، وكانت “المعبر الحقيقي” والذراع الفعالة، والجسر الذي لم ينقطع.
خلاصة القول، إن كان من حق أحد أن يتحدث عن صمود غزة، فإن الأردن “أولى من يفعل” لأنه لم يصور، ولم يطلب الشكر، ولم يضع اسمه على كل شاحنة وطرد غذائي، إلا انه كان هناك، في اللحظة التي احتاجه فيها الجميع، والأهم أن من راهنوا على إنهاك الأردن، فشلوا، وتحديدا من ظنوا أنه سيتراجع عن التزامه تجاه فلسطين، فقد خاب ظنهم.
الراي