"\n"
مقالات

ماذا بعد الحرب؟!

محمد حسن التل

ربما وضعت الحرب أوزارها على غزة حتى الآن، ولا أريد الخوض بمن انتصر أو هزم وبعيدا عن العواطف فشروط حماس تغيرت عن تلك التي أعلنتها يوم السابع من إكتوبر وتمحورت حول هدف انهاء الحرب، وإسرائيل لم تحقق أي هدف من أهدافها كانت تسعى له بداية الحرب.

الأن يتم تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب، وعنوانها الرئيسي إعادة الأسرى الإسرائيليين وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين لدى إسرائيل، والسماح بإدخال المساعدات على إطلاقها إلى غزة، وهي مرحلة تعتبرها حكومة إسرائيل في المجمل لصالحها، لأنها ألقت عن كاهلها قضية الأسرى لتهدئة الرأي العام لديها، و تعتبر موافقتها على إدخال المساعدات إلى غزة ربما ستخفف حدة الهجوم العالمي وشعورها بالعزلة بسبب منعها هذه المساعدات واتهامها بأنها تتقصد قتل الغزيين وتهيئ لموتهم ببطء.

أما الغزيين بعد هذه المرحلة سيبدؤون التعامل مع معاناة جديدة تتمثل في التعامل مع الدمار الشامل الذي إقترفه الجيش الإسرائيلي على مدار عامين ، وحتى لو بدأت خطة إسكانهم بتوفير خيم أو كرافانات فهذا سيستغرق من الزمن فترة طويلة ، ناهيك عن المعاناة الأخرى المتمثلة بانهيار كامل في البنية التحتية للخدمات اللوجستية والانهيار التام في النظام الصحي، الأمر الذي يجعل الحياة مستحيلة في مدن القطاع ، والخشية أن فتح معبر رفح بحرية بالاتجاهين للبضائع والأفراد وراءه نية غير بريئة ، بالذات السماح للأفراد حيث أن عبور هذا المعبر يشكل تحد كبير أمام الغزيين في الموازنة بين الثبات في أرضهم وعدم التحمل والخروج بحثاً عن الحد الأدنى من المعيشة الآمنة، وهنا يبرز التحدي أمام الدول العربية التي وقفت ضد التهجير بمجمله للتعامل مع هذا الوضع الخطير، مع الإشارة إلى أن إسرائيل تسعى لهذا منذ سنتين، وتحاول تهيئة كل الأجواء للتهجير الناعم من قبل الغزيين، وستعمل على توفير مغريات كبيرة مع دول كثيرة لدفع الناس إلى الخروج مستغلة المعاناة العميقة والخوف من استئناف الحرب في أي لحظة، خصوصاً أن المراحل التالية من الخطة الأمريكية عامة وشائكة وغامضة، وإن مضت دون عقبات فإنها ستستغرق زمناً طويلاً ربما يتعدى العام أو العامين للوصول إلى للوضع النهائي، فقضية نزع سلاح حماس والمقاومة لا زال مصيرها غامض، فحماس تطلق تصريحات تعلن عبرها أنها لن تسلم سلاحها وتعتبره حق شرعي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وهو ملك لهذا الشعب، إلا إذا كان هناك ملاحق سرية للاتفاقية تنص على ذلك بطريقة تحفظ للمقاومة عدم ظهورها بصورة المنهزم، مع أن هذا مستبعد حتى الآن، وغير ذلك وربما يشكل هذا الموقف من قبل إسرائيل ذريعة للتنصل من أي اتفاق بحجة أن حماس أخلت بأهم بنودها، وتاريخ الصراع يثبت أن إسرائيل نفسها لا تلتزم بأي اتفاق وتتعلل بأي حجة لإفشال أي اتفاق، وموضوع انسحاب جيشها من كافة أراضي القطاع يذكرنا بالنموذج اللبناني وكيف خرقت الاتفاق ولم تلتزم به ولم تخرج من كافة الأراضي اللبنانية ولا زالت تحتل مساحات واسعة في الجنوب، معتبرة ذلك حماية لأمنها!!

أما قصة الإدارة المؤقتة لقطاع غزة من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراط غير حزبية، فهذا أيضا تحد يشكل معضلة، فسيصطدم تشكيلها بخلافات كثيرة ومعقدة، وقد اعتدنا على الخلافات الفلسطينية عندما يتعلق الأمر بتشكيل أي هيئة أو لجنة نظراً وللأسف في كثير من الأحيان سيطرة المصالح وصراعات الفصائل التي سيكون لها دوراً مهماً في الاختيار إلا إذا ضغطت الدول الضامنة بتشكيل اللجنة أو الاختيار من خارج الإطار الفلسطيني الرسمي والفصائلي ، وأعني إختيار الشخصيات الفلسطينية لهذه اللجنة دون تدخل من أي طرف فلسطيني خصوصاً أن هذه الخطوة مرتبطة بتحويل الإدارات المحلية والخدمات العامة في القطاع إلى هذه اللجنة، الأمر الذي يتطلب السرعة في تشكيلها حتى تباشر عملها بتعاون دولي.

عقبة أخرى تبرز أمام نجاح الخطة الأمريكية تتمثل بالعمل على تحول تدريجي نحو سلطة فلسطينية دائمة، إذا توفرت الشروط المناسبة، وهذا البند ينتابه غموض كبير فهو لم يعرّف هذه السلطة ولم يشر إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ووضع شرطاً مفتوحاً في نصه إذا توفرت الشروط، وهذا البند من الاتفاقية يمثل تحدٍ كبير أمام الفلسطينيين ، ويشير أن السلطة الفلسطينية حتى تاريخه خارج أي اعتبار أمريكي وإسرائيلي، بأن تكون مشاركة في الوضع الجديد وهذا يشير إلى أمر خطير يؤثر ربما إلى نية إنشاء كيان مستقل في غزة عن الضفة الغربية يؤدي إلى تمزيق الأرض الفلسطينية وإنهاء فكرة حل الدولتين في ضوء أن المبادرة الأمريكية لم تذكر من قريب أو بعيد توحيد القطاع مع الضفة.

أما قصة إعطاء الفرصة لمفاوضات لاحقة حول قضايا جوهرية كوضع القطاع بعد المرحلة الانتقالية، ودور حماس، فهذا يشير إلى أن الأخيرة لم تخرج من الحسابات الأمريكية وأنه من الممكن أن توافق واشنطن على وجود ما لحماس في غزة بصورة مدنية، وهذا راجح حسب نص هذا البند من الخطة، وهنا لا بد من إعادة الإشارة إلى إمكانية وجود ملاحق غير معلنة للاتفاق الذي جرى.

في المجمل إن خطة ترامب كانت أولويتها إعادة الأسرى الإسرائيليين الذي ربطته بإيقاف الحرب، الأمر الذي شكل فرجاً كبيراً للغزيين، مع إعادة التأكيد أن السلطة الفلسطينية ما زالت هي الخاسر الأكبر فيما جرى وسيجري.

بعد كل هذا فقد خبرنا أن تطورات القضية الفلسيطينية لم تكن ثابتة في معظم مراحلها..فربما يأتي حدث غير متوقع يقلب كل التوازنات ويغير اتجاه الأمور الى طريق لم يتوقعه أحد!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى