الاقتصاد الوطني في 2025 … نمو واستقرار ومضي برؤية التحديث الاقتصادي

أردني – أجمع خبراء بالاقتصاد على أن عام 2025 شكل محطة مفصلية في مسار الاقتصاد الوطني، عكست مزيجا من الاستقرار والنمو رغم التحديات والصعوبات الخارجية.
وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن المؤشرات الاقتصادية المسجلة بعام 2025 سواء على صعيد النمو أو التضخم أو الاستقرار النقدي والمالي، تعكس قدرة الاقتصاد الوطني على التكيف مع الضغوط الخارجية والتحديات الهيكلية، مع تسجيل تحسن ملموس في عدد من القطاعات الحيوية.
وأشاروا إلى أن المرحلة الحالية تمثل أساسا مهما للانتقال من إدارة الاستقرار إلى صناعة نمو أكثر إنتاجية وشمولا، يركز على توليد فرص العمل، وتعزيز الاستثمار، وتحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والبعد الاجتماعي، بما يدعم مسار التنمية المستدامة في السنوات المقبلة.
وأكدوا أن القراءة المتأنية لمسار الاقتصاد الوطني خلال 2025 تشير بوضوح إلى أن المملكة نجحت في تجاوز صدمات إقليمية ودولية صعبة، وعززت من المنجزات ضمن أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، وساهمت في إطلاق الإمكانات الكامنة للقطاعات الاقتصادية المختلفة.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور عبد الباسط العثامنة، إن الاقتصاد الوطني خلال 2025 عكس حالة من الاستقرار المصحوب بنمو معتدل، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي نموا حقيقيا بلغ 2.7 بالمئة خلال النصف الأول من العام.
وبين أن المملكة حافظت على مستوى مريح من الاحتياطيات الأجنبية بلغ 24.6 مليار دولار في تشرين الثاني، ما يعزز متانة الاستقرار النقدي وقدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الخارجية.
واعتبر أن 2025 يمكن وصفه بأنه عام تثبيت الاستقرار وبناء أسس نمو أكثر توازنا، مع الحاجة الماسة إلى تعميق الإصلاحات الهيكلية، وتحفيز الاستثمار المنتج، وربط النمو مباشرة بخلق فرص عمل وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين.
وأكد أن المرحلة المقبلة، تتطلب انتقالا مدروسا من إدارة الاستقرار إلى صناعة النمو، بحيث يكون هذا النمو منتجا وشاملا، ومولدا لفرص العمل، دون التفريط بالاستقرار المالي والنقدي الذي يشكل حجر الأساس لثقة المستثمرين وحماية معيشة المواطنين.
وأوضح أن نجاح هذه المعادلة يعتمد على تحقيق توازن دقيق بين النمو والاستقرار، وبين الإصلاح الاقتصادي والبعد الاجتماعي، بما يجعل النمو الاقتصادي أداة فعلية لتحسين حياة المواطنين، وليس مجرد مؤشر كلي.
وشدد العثامنة على أن ذلك يستلزم تنسيقا عالي المستوى بين السياسات المالية والنقدية والتشغيلية، وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص، لضمان وضع الاقتصاد الوطني على مسار أكثر صلابة وعدالة، مع القدرة على مواجهة الصدمات المستقبلية وخفض البطالة والفقر، والسيطرة على التضخم بشكل مستدام.
بدوره، قال مدير عام جمعية البنوك في الأردن الدكتور ماهر المحروق، إن الاقتصاد الوطني أظهر مسارا متميزا من المرونة والقدرة على الصمود في 2025، على الرغم من التحديات الإقليمية والدولية والاضطرابات الجيوسياسية المتنوعة، مسجلا سلسلة من المؤشرات الإيجابية التي تعكس قوته وحكمة السياسات الاقتصادية المتبعة.
وأضاف إن المؤشرات الاقتصادية الأردنية سجلت أداء متوازنا يعزز أسس النمو المستدام، وجاءت لتؤكد قدرة الاقتصاد الوطني على التكيف مع المتغيرات العالمية التي برزت في 2025، وبمقدمتها تصاعد السياسات الحمائية وفرض الرسوم الجمركية وارتفاع الدين العالمي.
ولفت إلى أن الصادرات الكلية ارتفعت بنسبة 7.7 بالمئة خلال الأشهر العشرة الماضية من العام الحالي، مدفوعة بنمو الصادرات الوطنية بنسبة 7.6 بالمئة لتصل إلى قرابة 7.8 مليار دينار، ما يعكس تحسنا في تنافسية المنتج الوطني واستفادته من استقرار البيئة الاقتصادية.
وأوضح أن الجهات الرسمية واصلت العمل على تعزيز النمو الاقتصادي والبناء على ممكنات الاقتصاد الوطني، خصوصا في إطار تنفيذ مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، والاستعداد لإطلاق البرنامج التنفيذي للأعوام 2026–2029، منوها إلى أنه جرى اتخاذ نحو 220 قرارا اقتصاديا خلال عام ونيف، هدفت إلى تحسين بيئة الاستثمار وتنشيط القطاعات الإنتاجية.
أما على صعيد الاستقرار النقدي، ذكر المحروق أن صندوق النقد الدولي أشاد بحصافة السياسات النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الأردني، والتي تركز بشكل مناسب على الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي.
ولفت إلى أن إصدار سندات اليورو بوند الأخير عكس ثقة المستثمرين بالاقتصاد الوطني، حيث بلغت قيمة الإصدار 700 مليون دولار بسعر فائدة ثابت بلغ 5.75 بالمئة لأجل 7 سنوات، أي بانخفاض قدره 1.75بالمئة مقارنة بإصدار 2023، في حين تجاوزت طلبات الاكتتاب 3 أضعاف قيمة الإصدار، في مؤشر واضح على متانة اقتصاد البلاد وقدرته على الصمود في وجه التحديات.
وبين أن نجاح المملكة في إتمام المراجعة الرابعة مع صندوق النقد الدولي في برنامج تسهيل الصندوق الممدد، والمراجعة الأولى ضمن برنامج الصلابة والاستدامة، والتي جاءت في محطة مهمة، أتاحت وصول المملكة إلى نحو 130 مليون دولار ضمن التسهيل الممدد، ونحو 110 ملايين دولار ضمن برنامج الصلابة والاستدامة، بما يدعم الاستقرار المالي والاقتصادي.
وأشار إلى أن مؤشرات القطاع المصرفي حتى نهاية تشرين الثاني أظهرت متانة ومرونة عالية، حيث بلغ إجمالي موجودات القطاع المصرفي نحو 73.15 مليار دينار، ما يعادل نحو 193 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ووصلت الودائع في البنوك إلى قرابة 49.33 مليار دينار أي نحو 130 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت التسهيلات الائتمانية 36.1 مليار دينار، تمثل حوالي 95.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس مساهمة القطاع في تعزيز النمو الاقتصادي وتمويل القطاعات الأخرى.
وأوضح المحروق أن موازنة 2026 تعكس توجها واضحا نحو التمكين والتحصين الاقتصادي في معظم بنودها؛ خصوصا ارتفاع الإنفاق الاستثماري إلى نحو 1.6 مليار دينار، بزيادة نسبتها 16.8 بالمئة مقارنة بإعادة تقدير عام 2025، ليشكل ما نسبته 12.3 بالمئة من إجمالي النفقات العامة، خصص منها نحو 396 مليون دينار لمشاريع رؤية التحديث الاقتصادي.
وأكد أن القراءة المتأنية لمسار الاقتصاد الأردني خلال 2025 تشير بوضوح إلى أن المملكة نجحت في تجاوز صدمات إقليمية ودولية صعبة، وعززت من المنجزات ضمن أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، وساهمت في إطلاق الإمكانات الكامنة للقطاعات الاقتصادية المختلفة.
وذكر أن التوقعات تشير إلى أن عام 2026 قد يشكل دفعة جديدة لتعزيز النمو الاقتصادي، استنادا إلى مرونة ومنعة الاقتصاد الوطني وعناصر الاستقرار المالي المختلفة.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي منير ديه، إن الاقتصاد الوطني اكتسب منذ بداية العام الحالي زخما اقتصاديا واضحا تمثل في ارتفاع العديد من المؤشرات الرئيسية، والتي كان أبرزها ارتفاع معدل النمو الاقتصادي مع توقعات بالوصول إلى 3 بالمئة مع بداية العام المقبل، مع بقاء معدلات التضخم منخفضة بحدود 1.8 بالمئة، وهي من أدنى نسب التضخم في المنطقة.
وأضاف إن السياسة النقدية التي انتهجها البنك المركزي خلال الفترة الماضية حافظت على مستويات مرتفعة من الاحتياطيات النقدية الأجنبية والتي تجاوزت لأول مرة حاجز 24 مليار دولار، بالرغم من حالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق العالمية.
وأشار إلى أن الدخل السياحي شهد ارتفاعا ملحوظا، خاصة بعد منتصف العام الحالي ليصل لأكثر من 7 مليارات دولار، وزيادة أعداد القادمين إلى المملكة من مختلف الدول بنسبة وصلت لأكثر من 6 بالمئة، وارتفاع حوالات الأردنيين المغتربين بنسبة 4 بالمئة لتصل لنحو 4 مليارات دولار.
وبين أن إطلاق الحكومة لمجموعة من المشاريع الضخمة والتي كان أبرزها غاز الريشة والناقل الوطني وسكك الحديد ومدينة عمرة، أعطت ثقة كبيرة للمستثمرين والقطاع الخاص وهي دلالة واضحة من الحكومة على تكثيف الجهود للمضي قدما في تنفيذ المشاريع الكبرى والتي ستنعكس إيجابا على الاقتصاد الكلي.
وأوضح أن ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لأكثر من 35 بالمئة، يعد دلالة واضحة على استمرار قدرة الاقتصاد الأردني على جلب الاستثمارات الأجنبية بالرغم مما تشهده المنطقة من تقلبات، في مؤشر واضح على بقاء المملكة بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية لما تتمتع به من استقرار أمني واقتصادي.
وأكد ديه أن عودة سوريا الشقيقة إلى الاستقرار وبدء مرحلة إعادة الإعمار ورفع العقوبات، كان له دور كبير في ارتفاع حجم التجارة البينية بين البلدين لأكثر من 300 بالمئة، ما زاد من حجم التبادل التجاري ودفع عجلة قطاع النقل وحركة الأفراد مع توقعات بأن يكون للأردن دور محوري في العديد من القطاعات الاقتصادية خلال مرحلة إعادة الإعمار.
لفت إلى ارتفاع الصادرات الأردنية منذ بداية العام الحالي بالرغم من التحديات كالرسوم الجمركية على الصادرات الأردنية للسوق الأميركي وتقلبات أسعار النفط والمعادن الثمينة وارتفاع كلف الشحن بسبب أزمة البحر الأحمر، ومع ذلك استطاع الأردن دخول أسواق جديدة وزيادة الإنتاج المحلي، ما زاد من قيمة الصادرات بشكل ملحوظ، خاصة للدول العربية مثل العراق والسعودية ومصر.
وأوضح ديه أن الزيارات الملكية التي قام بها جلالة الملك عبدالله الثاني خلال العام الحالي للعديد من الدول، خاصة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى ودول آسيوية مهمة مثل اليابان وفيتنام وسنغافورة وإندونيسيا وباكستان، ساهمت بفتح الآفاق لاستثمارات جديدة وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم والعمل على زيادة التبادل التجاري والاستثماري وإزالة العقبات وتمهيد الطريق أمام القطاع الخاص لاستثمار تلك العلاقات السياسية والاقتصادية لزيادة حجم الاستثمارات ورفع قيمة الصادرات بعد فتح أسواق جديدة.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن المسار الاقتصادي الأردني خلال 2025 كان إيجابيا ومتقدما على أكثر من صعيد، سواء من حيث النمو الاقتصادي، أو تحسن المؤشرات العامة، أو تطور الرؤية الاقتصادية والانتقال إلى مرحلة جديدة من تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي.
ووصف 2025 بعام التعافي النشط للاقتصاد الأردني، إذ استطاع استيعاب تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتعامل معها بمرونة عالية، ما مكنه من الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي، رغم الظروف الإقليمية والدولية المعقدة.
وأشار إلى أن الجهود التي قادها جلالة الملك، خصوصا مع الدول الآسيوية الرئيسية مثل الهند، إضافة إلى تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي عبر الاتفاق الاستراتيجي، أسهمت في توفير مزيد من المنح والمساعدات والاستثمارات للمملكة.
ورأى أن الأداء الحكومي خلال العام الحالي تميز بارتفاع مستوى المؤسسية في إدارة الشأن الاقتصادي والمالي، إضافة إلى إدارة أكثر فاعلية للملفات المرتبطة بحياة المواطنين ومطالبهم الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن ذلك انعكس بشكل مباشر على تعزيز الاستقرار العام.
وفيما يتعلق بالاستدامة المالية، أوضح أن الحكومة نجحت في استبدال ديون مرتفعة الفوائد وقصيرة الأجل بأخرى أقل كلفة وأطول أمدا، ما ساهم في تحرير الحيز المالي، وأتاح المجال لاتخاذ إجراءات اقتصادية أكثر جرأة، تجسدت في الموازنة العامة وزيادة الإنفاق الاستثماري.
وفيما يخص التجارة الخارجية، أكد أن الاقتصاد الوطني تعامل بكفاءة مع الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، حيث واصلت الصادرات الأردنية اختراق السوق الأميركية، مشكلة نحو 25 بالمئة من إجمالي الصادرات الخارجية، واصفا ذلك بالنجاح الكبير.
وبين أن الاقتصاد الوطني حافظ على الاستقرار المعيشي والمالي خلال العام، إذ لم تفرض ضرائب جديدة، وبقي معدل التضخم ضمن حدود منخفضة لم تتجاوز 2 بالمئة، معتبرا أن هذه المؤشرات تعكس حالة من اليقينية والاستقرار في بيئة عالمية تتسم بعدم اليقين.
ولفت إلى أن تراجع أسعار الفائدة المصرفية خلال العام عبر 3 تخفيضات متتالية يعد تطورا جوهريا، لما له من أثر إيجابي في تخفيف كلف المديونية على الحكومة والمستثمرين والأفراد والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وتعزيز القدرة على التخطيط في ظل عدم الاستقرار الإقليمي.
وأشار إلى أن الاقتصاد الوطني أظهر قدرة عالية على التعامل مع المتغيرات الجديدة في سوريا، وإعادة تنشيط العلاقات التجارية والاقتصادية معها، وتطوير الإطار المؤسسي للتعاون بمجالات الطاقة والمياه والاستثمار والتقنية.
واعتبر أن إعداد الموازنة العامة 2026 وتقديمها مبكرا وإقرارها من مجلس الأمة، يعكس استباقية في قراءة المشهد الاقتصادي، وثقة بالنتائج المتوقعة، ووجود ملاءة مالية معقولة.
وأشار إلى أن الموازنة تستهدف رفع النمو الاقتصادي، وتعزيز النشاط الاستثماري، وتلبية متطلبات رؤية التحديث الاقتصادي والحماية الاجتماعية، مع الحفاظ على الانضباط والاستدامة المالية، دون الحاجة لفرض ضرائب جديدة.
وبين عايش أن عام 2025 شكل عام تحول حقيقي للاقتصاد الوطني وانتقالا واضحا نحو مرحلة مؤسسية أعمق، تقوم على إدارة أكثر كفاءة للملفات الاقتصادية والاستثمارية، بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني وعلى حياة المواطنين.
بترا



