مقالات

التعليم وثقافة الكبرياء والتصنع

المهندس عبدالفتاح الدرادكة

يشار بالبنان دائما الى تميز الاردن في كثير من الميادين والمجالات الطبية والهندسية والدوائية والصناعية والتجارية وانظمة المعلومات وسابقا المجالات التعليمية التي اصابتها انتكاسات في العقدين الاخيرين والتي سنتوقف عندها لنعرض واقع الحال من حيث ان التعليم قد يكون اساس كل ما سبق من تميز الا ان ما وصل اليه التعليم الحالي ينذر بانحدار في الثقافات والمثل التي كانت تزرع في الطالب الى المستوى الذي سيؤثر على المكتسبات والتميز الذي اشرنا اليه .

لقد كانت سياسة التعليم من البساطة بحيث ان الطالب في المراحل الابتدائية الاولى كان يتم التركيز عليه من حيث تعلم القراءة والكتابة والتركيز على القيم والمسلمات المجتمعية والدينية ببساطة وبدون حشو معلومات وكانت دروس وحصص خاصة للقراءة والكتابة والخط يومية وكانت الواجبات اليومية في الصفوف الاولى نسخ الدرس خمس مرات وعشر مرات وأكثر والتي كانت تؤدي الى تنمية مهارات الكتابة والابداع، ولذلك كان هناك تميزا في الخط ميز الاجيال في تلك الفترات فنادرا ما كنت تلاحظ خطا لا يقرأ اما هذه الايام فالاية معكوسة حيث انه من الصعب قراءة ما قد يكتب ، وكذلك فإن دروس الانشاء وما كان يطلبه المعلمون في ذلك الوقت من المطالعات الخارجية وقراءة القصص والرويات قد خلق ميولا ادبية وشعرية كانت تميز الجلسات العامة اما الان فالجلسات الادبية قد تكون نادرة نتيجة لانشغال الجميع بوسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، وكذلك فإن لغات التواصل الاجتماعي اصبحت لغات تخاطب فتراهم استعاضوا عن الحروف بارقام والكلمات العربية استبدلت باجنبية والذي حتما يؤدي الى طمس جزئي وكلي لتراثنا وثقافتنا وقيمنا التي كانت تميزنا عن غيرنا.

إننا وبكل اسف وبكل مرارة ومن تلقاء انفسنا خربنا على انفسنا وعلى البلد ولم نحافظ على المكتسبات من خلال الانتقال التدريجي من ثقافة الحرص والاخلاص والتفاني وامانة العمل والترتيب والنظام التي كانت تميزنا الى الفوضى والواسطة والنفاق والمحسوبية حتى بلغنا مستوا لا نحسد عليه في التعليم والتعليم العالي بعد ان كنا في المقدمة نتيجة تغير الثقافات الى الاسوأ وانحدار مجموعة القيم التي كانت تميزنا فاصبحت تجد ان العائلات تتسابق في حشو المعلومات في طالب الثانوية العامة لكي بحصل على معدل يؤهله لدراسة الهندسة او الطب لا لانه يحب ذلك وليس بسبب قدراته واهتماماته وامكانياته بل لان عائلته تريد ان تفاخر به في محيطة، ومن اجل ذلك فالغاية تبرر الوسيلة من حيث كلفة الاساتذة او تصغير الكتب لتسهيل الغش حيث اصبح ذلك ممؤسس لدى المكتبات او الاتفاق والتوصية للمراقبين في الامتحانات لكي يتم غض الطرف عن محاولات الغش وقد تكون هناك جاهات وواسطات للمراقبين لتيسير عملية الغش من خلال نقل الاجابات من طالب الى طالب او السماح للطلاب بالتواصل البيني خلال الامتحان فتكون النتيجة اختلال المعادلة الطبيعية التي تميز الطالب المبدع عن الطالب الاقل ابداعا او الطالب غير المؤهل للنجاح لنصل الى حالة الظلم وعدم انصاف من يستحق ان يكون في المقدمة وربما يفقد البعض مقاعدا في الجامعات عند تزاحم المعدلات العالية كما يحصل في السنوات الاخيرة حيث انه قبل اربع سنوات تقريبا كان عدد الذين حصلوا على معدلات كاملة اي 100% يزيد على الستون طالبا مع وجود المئات اعلى من 99% .

والامر كذلك يمكن استنساخه في الجامعات فبعض الجامعات الخاصة سخية جدا في التقييم والعلامات فحضور المحاضرات ودفع الرسوم كفيل بالحصول على تقدير جيد جدا واي جهد فوق ذالك معناه الحصول على الامتياز والجامعات الرسمية ومع الإكتظاظ في عدد الطلبة والمكرمات التي غيرت معادلة مخرجات التعليم فإنها لم تسلم من الثقافة التي جعلتها تساير ثقافة الواسطات والمحسوبيات المتمثلة في سلطة بعض الاساتذة الجامعيين الذين لا يراعون امانة الاخلاص في التعليم من خلال مجاملة الكثيرين في اعطائهم العلامات التي لا يستحقونها او رفع تقييم البعض الى تقييم لا يستحقّه وذلك استجابة للواسطات ومراكز النفوذ .

المطلوب تبني استراتيجية وطنية لمعالجة الثقافات المجتمعية والوعي والاقبال على المهن ونبذ ثقافة العيب فالمجتمعات الغربية التي رفدت العالم بكل المستجدان والاختراعات العلمية لا يوجد لديها ما لدينا من عمالة خارجية وشغالات فعامل النفايات منهم وعامل البناء وكل المهن منهم ولا توجد عندهم ثقافة عيب ، وكذلك فإن فرص العمل المهنية والتقنية قد تكون متوفرة في الاردن اكثر من فرص العمل للاطباء والمهندسين وبقية المستويات الأكاديمية وعلى العكس من ذلك فكلنا امل وكما بقول الفلاحين لا يحرث الأرض الا عجولها فإنه لا يبني الوطن الا ابناءه وليس العمالة الوافدة التي تستنزف الكثير من المقدرات والجميع يعي ذلك ولكن ثقافتنا المجتمعية اوصلتنا لذلك كما اسلفت وللاسف.

كذلك فان الاستراتيجية الوطنية المطلوبة يجب ان تعالج انظمة التعليم والتعليم العالي للمواكبة والتناغم مع رؤية التحديث الاقتصادي والاداري التي اطلقت ومباركة جلالة الملك لها وكذلك مطلوب دراسات لاعادة هيبة التعليم في المدارس الحكومية من حيث فرض الرقابة الصارمة على المدرسين الجامعيين لوقف التلاعب بالنتائج الجامعية وعلى الامتحانات سواء الجامعية او الثانوية العامة ومعاقبة المراقبين الذين يسمحون باجراءات من شأنها التأثير على سير الامتحانات والنتائج ورفع سوية المعلم وتميزه في السلم الوظيفي لإعطائه مزيدا من الثقة بنفسه في نفس الوقت الذي تتم مراقبته ومحاسبته ومعاقبته على التقصير، وكذلك الاهتمام بالهندام حيث انه هذه الايام وفي بعض الاحيان لايمكن تمييز الطالب عن الاستاذ فالمعظم برتدي سراويل الجينز، وكلنا يتذكر ان ما كان يميز المعلمين في زمننا الجميل بالاظافة لقوة شخصيته وثقته بنفسه هو هندامه الذي كان يغلب عليه الطابع الرسمي من حيث ارتداءه الزي الذي يليق فيه كمدرس وهو البدلة ولنا مثال على ذلك قيام نقابة المحامين وحرصا منها على شخصية الأستاذ المحامي بفرض ارتداء البدلة الرسمية عند مراجعة النقابة او خلال الترافع بالمحاكم وكذلك البنوك والشركات التي تعي اهمية تمييز موظفيها من خلال اللباس الرسمي، فلماذا لا يفرض ذلك على المدرسين لتميزهم عن الطلاب ورفع سويتهم في ممارسة مهنتهم المقدسة ؟.

والله من وراء القصد..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى