نادرا ما تكون قضايا السياسة الخارجية أمرا حاسما في السلوك الانتخابي الأميركي. غالبية المصوتين يركزون على قضايا محلية اقتصادية من بطالة وتضخم وضرائب وغيرها، أو اجتماعية مرتبطة بمعدلات الجريمة والإجهاض والعنصرية وغيرها. الانتخابات القادمة قد تشهد تغييرا على ذلك من كم أعلى من الاهتمام بالقضايا الخارجية بسبب البعد الإنساني لما يحدث في فلسطين لا سيما والتأثير الإعلامي الذي ينقل التكلفة الإنسانية للحرب هناك. الأميركيون من أصول عربية بالتحديد يشعرون بخيبة أمل كبيرة جراء تعامل إدارة بايدن مع حكومة نتنياهو وعدم قدرته على وقف القتل في غزة والضفة، وهؤلاء عادة ما يصوتون للحزب الديمقراطي، والأهم أنهم متواجدون في ولايات غير محسومة انتخابيا لأي حزب، ما يضاعف من أهمية أصواتهم. هذا يفسر لماذا ذهب بايدن عدة مرات لولاية متشغن الأميركية التي يتواجد فيها عدد كبير من الأميركيين من أصول عربية، والذين صوتوا بأوراق فارغة في الانتخابات التمهيدية ما يعني أنهم لن يذهبوا لترامب ولكنهم أيضا لن يصوتوا لبايدن. رسالتهم واضحة إننا لا نستطيع التغاضي عما يحدث في فلسطين وغزة من قتل، وإننا نرغب من الذي سنصوت له مزيدا من الإقدامية لوقف ما يحدث. هؤلاء لا يؤيدون حماس ولا متعاطفين معها، وليسوا ضد إسرائيل ولا السلام، ولكنهم لا يمكن أن يقبلوا كم المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون.
ولايات أخرى أيضا تصنف أنها أرجواني أي ليس أحمر ولا أزرق بمعنى أنها ما تزال غير محسومة في أنها ستصوت للحزب الجمهوري أم الديمقراطي مثل كولورادو وبنسلفانيا وفلوريدا وغيرها، وهذه الولايات سوف تشهد منافسة محتدمة على كافة القضايا المطروحة، والحرب في غزة ستكون من ضمنها لا سيما إذا استمر المشهد الإنساني نازفا مؤلما. هذا لا يعني أن يذهب بايدن كامل المسافة لاستمالة أصوات العرب الأميركيين لأن ثمة ناخبين متعاطفين مع إسرائيل ويريدون من بايدن مزيدا من الدعم لإسرائيل للقضاء على حماس.
هذه المعضلة لا تواجه مرشح الحزب الجمهوري ترامب المحسوم أمر قاعدته الانتخابية مع إسرائيل بلا شروط. وصل الأمر من الحدة أن قيادات الجمهوريين يشبهون حق إسرائيل في حرب غزة بما فعلته أميركا من حق في استخدام القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية ضد هيروشيما وناكازاكي، التي رح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين، ما اعتبر حينها ضرورة لإنهاء الحرب. هذا هو نوع النقاش الذي يقوده بعض الجمهوريين ما يرتب أعباء كبيرة على منافسيهم الديمقراطيين.
منذ سنوات طويلة لم تشهد الانتخابات الأميركية قضية سياسة خارجية رئيسة كما يجري اليوم بشأن الحرب في غزة، ما خلق حالة استقطاب تجعل المرشح الديمقراطي بالتحديد بحاجة ماسة ليقوم بحسابات معقدة حتى لا يخسر أصوات الناخبين في الولايات غير المحسومة للآن بعد.
الغد