مقالات

في درب السلام خلال الخمسة والعشرين عاماً

رلى السماعين

السلام هو راية هاشمية راسخة. السلام ليس مجرد هدف عابر، بل هو رؤية ثابتة وراسخة في قلب الحكم الهاشمي، تتجلى في التزام الحكم الهاشمي الدائم بتعزيز حقوق الإنسان، ورزع الأمل، ورفع الظلم، والسعي المستمر لتحقيق الأفضل للبشرية. ينبع هذا الالتزام من إدراك أن السلام الحقيقي يتطلب نبذ العنف والتطرف والإقصاء، والعمل المستمر بجد على صون كرامة الإنسان وتعزيز قيم التسامح والتفاهم.
جلالة الملك عبدالله الثاني اختار نهجاً متميزاً للأردن، وهو ما نشهده الآن من استقرار وتطلع لمستقبل أفضل. يواصل الأردن جدياً في هذا المسار، مستمداً قوته من القيم الهاشمية العريقة، ليرسم ملامح مستقبل مشرق يعم فيه السلام والرخاء.
من ناحية أخرى، السلام عند جلالته هو التزام غير متزعزع، وهو مكمل لالتزامنا بالديمقراطية والتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان وصيانة كرامته. هذا الالتزام الشامل يعكس رؤية جلالة الملك العميقة لبناء مجتمع عادل ومتنوع، حيث يتمتع كل فرد فيه بحقوقه كاملة ويعيش بكرامة واحترام.
الكلام عن السلام سهل، إنما إحداث السلام الحقيقي يحتاج إلى أفعال مستمرة وواضحة، يكون تأثيرها مباشراً وفعالاً. منذ بداية الألفية الثانية، شهدنا كم من الصعب التمسك بكل ما يحقق السلام وكم يحتاج إلى جهد كبير وإرادة منفردة وحكمة.
بداية هو موقف الاردن الثابت بالماضي والحاضر والمستقبل اتجاه القضية الفلسطينية وإلى جانب الشعب الفلسطيني بكل الطاقة والامكانيات لكي يحصل على حقوقه المشروعة في اقامة دولة فلسطينية معترف بها ويكون للشعب الفلسطيني الفرصة ليحققوا حاضرهم ومستقبلهم.
عانينا من منطقة صفتها الغالبة هي الإرهاب، وكنا البيت الهادئ ضمن محيط ملتهب، حيث تم تشويه صورة الإسلام الحنيف والسعي الواضح لتفريغ المنطقة من المسيحيين العرب. في خضم هذه الظروف، رأت الأردن من التحديات فرصة لإحلال السلام، فأطلقنا أهم ثلاث مبادرات سلمية على رأسها رسالة عمان عام 2004، وكلمة سواء بيننا وبينكم عام 2007، وأسبوع الوئام العالمي بين الأديان عام 2010. من خلال هذه المبادرات، كافحنا الإرهاب ودافعنا عن الاعتدال والتسامح.
رسالة عمان جاءت لتصحيح المفاهيم المغلوطة حول الإسلام، والتأكيد على قيمه. أما مبادرة «كلمة سواء بيننا وبينكم»، فقد هدفت إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وبيان المشتركات الإنسانية التي تجمعهم. وأخيراً، أسس أسبوع الوئام العالمي بين الأديان مساحة للتفاهم والتعايش بين مختلف الأديان والثقافات، معززاً روح التعاون والمحبة.
وفي مواجهة الإرهاب والتطرف، لم تكتفِ الأردن بالكلمات، بل اتخذت خطوات فعالة لتعزيز السلام والاستقرار، متسلحة بحكمة قيادتها ورؤية جلالة الملك عبدالله الثاني. هذه المبادرات لم تكن مجرد ردود أفعال، بل كانت استراتيجيات مدروسة تسعى لبناء جسور التواصل والتفاهم، وترسيخ قيم الاعتدال والوسطية في العالم.
ففي الظروف القاسية التي شهدتها العراق وسوريا، كان نتيجتها استضافة الاردن للاجئين وحمايتهم أمنياً وسياسياً. ومن ثم ما أطلق عليه «الربيع العربي»، وكم كانت نتائحه على المنطقة مدمرة ومؤلمة ،وهذا أقل ما يمكن أن نقول. ومن ثم موقف الاردن مع شعب اليمن واحتضان الشعب الليبي…. واستمرت الجهود الكبيرة لغاية اليوم في السعي الجاد والمستمر لنصرة الشعب الفلسطيني وبالذات لوقف الحرب على غزة، ودعمهمبالمساعدات الطبية والانسانية واقامة المستشفيات الطبية الميدانية، بالاضافة الى الدعم المحلي غير المنقطع.
مرت الأردن بظروف صعبة وقاسية، بدءًا من تفجير الفنادق وصولاً إلى استشهاد البواسل من جنود الوطن وأسوده دفاعًا عن أرضهم وعرضهم. ورغم كل التحديات، ثبتنا. ثبتنا لأن ثقتنا بالله ثابتة، وحبنا للوطن لا يضاهيه حب، وولاءنا للملك غير متزعزع، ولإدراكنا أن في وحدتنا تكمن قوتنا.
لقد اتخذ جلالة الملك عبدالله الثاني خطوات حاسمة لتعزيز الأمن والاستقرار الداخلي، بدءاً من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، إلى المبادرات الدبلوماسية التي تسعى لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي. رغم التحديات المستمرة، يظل الأردن نموذجاً في القدرة على الصمود والتكيف، حيث يتطلب بناء السلام الحقيقي عملاً دؤوباً واستراتيجية مدروسة وإرادة قوية لتحقيق رؤية مستقبلية تستند إلى العدل والسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى